2014-04-18 09:29:52

الكاردينال الراعي: هذه هي ثقافتنا المسيحيّة، أن نخدم بعضنا بعضًا بِحُبّ!


ترأس غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عصر أمس الخميس قداس عشاء الرب ورتبة الغسل في ثانوية راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات في ساحل علما، وللمناسبة ألقى صاحب النيافة عظة استهلّها بالقول: في مثل هذا اليوم، ليلة آلام الرّبّ يسوع وموته، أسّس بفيضٍ من حبّه سرَّي القربان والكهنوت، لكي من خلال الخبز والخمر، المحوّلَين إلى جسده ودمه، تستمرّ ذبيحة الفداء على الصّليب، ووليمة كلمته وجسده ودمه، لحياة العالم. وأثناء هذا التأسيس، قام عن العشاء وراح يغسل أرجل التلاميذ، كما يفعل العبيد لمواليهم. فكشفَ أنّ حياة الإنسان تكتسب قيمتها من الخدمة، وأن الخدمة تنبع من الحبّ، وتضعنا في مصافّ الأشراف. هذه هي ثقافتنا المسيحيّة، أن نخدم بعضنا بعضًا وبحبّ. لذا أوصانا الرّبّ: "جعلتُ لكم قدوةً، لكي تصنعوا أنتم كما صنعتُ أنا" (يو13:15).

تابع البطريرك الراعي يقول: يسوع قدوةٌ لنا في محبّته. فقد "أحبّنا حتى النّهاية" (يو13: 1)، فمات على الصّليب فداءً عنّا، وعن كلّ إنسان يولد، لكي يُصالحنا مع الله ومع بعضنا البعض، وترك لنا سرّ محبّته في سرّ القربان الذي أسّسه ليلة آلامه وموته، جاعلاً جسده مأكلاً ودمه مشرباً للحياة الإلهيّة فينا، ليكونا وليمةً روحيّة لغذاء النّفوس. وعبّرَ عن محبّته اللامتناهية بتأسيس سرّ الكهنوت، لكي بالسلطان الكهنوتي المُعطى لكهنة العهد الجديد، يقيموا ذبيحته الأسراريّة، ويقدّموا للمؤمنين مائدته الرّوحيّة، فيتواصل من خلال خدمتهم حضور الربّ الخلاصي وسط شعبه، وتتواصل ذبيحة الفداء على الصّليب، ووليمة كلمة الإنجيل وجسد المسيح ودمه، لحياة المؤمنين والعالم.

أضاف الكاردينال الراعي يقول: يقدم يسوع قدوة لنا في خدمته الوضيعة، إذ في غمرة سرّ محبّته اللامتناهية، التي بلغت به إلى قبول الموت على الصّليب فدىً عنّا وعن البشر أجمعين، قام وغسل أرجل التلاميذ، كهنة العهد الجديد، متّخذاً هكذا دور العبد الذي يغسل أرجل أسياده. لقد علّمنا بذلك أنّ الخدمة التي نؤدّيها لأي إنسان، إنّما تضعنا  في مصافّ الأشراف. ألم يقُل يوماً: "من أراد أن يكون الأوّل والكبير فيكم، فليكن خادماً للجميع؟" (متى 20: 27). في هذه اللّيلة المقدّسة، ونحن نتذكّر محبّة المسيح لنا وللعالم، نسمعه يُردّد بصوت الكاهن: "خذوا كُلُوا هذا هو جسدي الذي يُبذل من أجلكم، واشربوا كأس دمي الذي يُراق من أجلكم ومن أجل الكثيرين (مر14: 24؛ لو22: 19؛ 1كو11: 24). إنَّ الربَّ يسوع، بهذه الكلمات وبهذا العطاء الذاتي، يُحدِّد وجوده وكيانه بأنّه "من أجلنا ومن أجل الكثيرين". "الوجود من أجل" يشكّل رسالتنا المسيحيّة التي نلناها بالمعودية والميرون. فتقتضي منّا خروجًا دائمًا من ذاتنا، ومن دائرة الانشغال المحصور بشؤوننا الشخصيّة، والمنغلق على الآخرين. عمر الشباب يدرّب على هذا "الوجود من أجل الآخرين"، لأنّه عمر الصداقات، والمبادرات التضامنيّة، والانفتاح على الآخرين والتعاطف معهم. عليكم أيّها الشباب أن تقاوموا كلَّ تفرقة ونزاع وخلاف، وأن ترفضوا كل اصطفاف فئوي، أو اصطباغ بلون معادٍ للآخر. تذكّروا كملة الإنجيل: إنَّ يسوع مات عن الأمّة كلّها، لكي يجمع في الوحدة أبناء الله المشتّتين"(يو11: 52).

وختم الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته بالقول: نتعلّم في هذه الليلة المقدّسة الصمود بوجه محن الحياة وتجاربها بالصلاة والرجاء. فالرب يسوع أوصانا أكثر من مرّة في الإنجيل "بالسهر والصلاة"، لأنّ الكلمة الأخيرة ليست للحزن والموت، بل للفرح القيامة. ونصلّي من أجل أن تفيض محبة المسيح في جميع القلوب، لينعم شعبُنا في لبنان بالاستقرار، وبحلِّ جميع الأزمات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الراهنة؛ وتنعم شعوب بلدان هذا الشرق ولاسيما في العراق ومصر وسوريا بالطمأنينة والسلام، وتجد طريقها إلى اكتشاف هويتها ورسالتها، عن طريق الحوار والتفاهم والتفاوض؛ وتتوقّف الدول القادرة عن إذكاء نار الحرب وتزويد الأفرقاء المتنازعين بالأسلحة ووسائل القتل والدمار، من اجل مصالحها السياسيّة الاقتصاديّة.








All the contents on this site are copyrighted ©.