2014-10-18 12:10:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان: ذَهَبَ الفِرِّيسيُّونَ وَتَشاوَروا لِيَصطادوا يسوع بِكَلِمَة. ثُمَّ أَرسَلوا إِليه تَلاميذَهم والهيرودُسِيِّينَ يقولونَ له: "يا مُعَلِّم، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ صادق، تُعَرِّفُ سَبيلَ اللهِ بِالحَقّ، ولا تُبالي بِأَحَد، لأَنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النَّاس. فقُلْ لَنا ما رأيُكَ: "أَيحِلُّ دَفعُ الجِزيَةِ إِلى قَيصَر أَم لا؟" فشعَرَ يسوع بِخُبْثِهم فقال: "لِماذا تُحاوِلونَ إِحراجي، أَيُّها المُراؤُون! أَروني نَقْدَ الجِزيَة". فَأَتَوهُ بِدينار. فقالَ لَهم: "لِمَن هذه الصُّورَةُ وهذه الكِتابة؟" قالوا: "لِقَيصَر". فقالَ لَهم: "أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله".

 

للتأمل

"أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله". كم من مرّة نسمع هذه العبارة في وقتها وفي غير وقتها، واليوم في هذا الأحد التاسع والعشرين من زمن السنة يضعنا الإنجيل أمام موضوع حساس ألا وهو علاقة المسيحي بالمؤسسات الاجتماعية والسياسة.

أراد الفريسيون والهيرودسيّون أن يصطادوا يسوع، لأنه كان قد أصبح مزعجًا بالنسبة لهم فقد كان يذهب مع الخطأة ويأكل مع العشارين، ولذلك لم يكن يُعجبهم وكانوا يعتبرونه خطيرًا بالنسبة لعقيدتهم وشرائعهم. وبالتالي كانوا يحاولون الإيقاع به ولذلك لم يكن سؤالهم لاهتمامهم بدفع الجزية وإنما لإحراجه، لكن يسوع في جوابه "أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله"، أظهر لهم ضرورة التمييز بين ما هو لقيصر وما هو لله وأن الأولويّة هي دائمًا لله. فالمسيحي يعيش كمواطن صالح في بلده ويحترم قوانينها، يقوم بواجباته ويدفع الضرائب، يساهم في الجمعيات ويشارك في الحياة السياسيّة.

يدعونا إنجيل هذا الأحد للتأمل بجانبين أساسيين: أولاً يسوع يدعونا لنعيش بجذريّة خبرتنا كمسيحيين مؤمنين في الإطار الاجتماعي المعاصر. ولذلك يحث المجمع الفاتيكاني الثاني المؤمنين العلمانيين ليكونوا حاضرين في مختلف المؤسسات الاجتماعية. فالمسيحي لا يعيش منعزلاً في جزيرة، بل في وسط العالم وكمؤمن يساهم في مدينته ومجتمعه. واليوم وأكثر من أي وقت مضى نشعر بالحاجة لتقديم شهادة مسيحيّة في مجتمعاتنا. وبالتالي وكما نقرأ في المجمع الفاتيكاني الثاني: "من واجبِ العلمانيين أن يساهموا بطريقةٍ فعالة في كل حياة الكنيسة. ولكن يجب ألا يقتصر نشاطهم على إنعاش العالم بالروح المسيحية وحسب، لأنهم مدعوون أيضاً إلى أن يكونوا شهوداً للمسيح في كلِّ مناسبة وفي قلب الجماعة البشرية".

وثانيًّا إن ما يُميّز حياة جماعاتنا المسيحية هو أنها تضع يسوع المسيح محورًا لها أي أنها تُعطي لله ما لله. يدعونا الكتاب المقدس لنكون نوراً في العالم: "فليضئ نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي فى السموات". المسيحي ملح في الأرض يعطي المجتمع نفحةً روحية، فيشهد لإيمانه بالله ومحبته وعدله وللحقّ بحكمة، فهو يبذل ويخدم ويكون أميناً في عمله وخدمة مجتمعه بمحبة وعطاء، ويفهم أن عليه واجبات تجاه مجتمعه وله حقوق يطالب بها بجراءة وقوة، وكعضو في المجتمع يعرف كيف يسير بحكمة ويسعى لتحقيق السلام والمحبة دون أن يتنازل عن الحقّ والعدل والعيش الكريم والمشترك.

يدعونا يسوع اليوم ويحثّنا على المشاركة الإيجابية في العمل الوطني والاجتماعي والسياسي لنكون إيجابيين ومشاركين في بناء حاضرنا ومستقبلنا بناءً على ما يمليه علينا ضميرنا وحسّنا الوطني، فنقوم بواجبنا بأمانة ليسود العدل والمحبة والسلام فنعيد ترميم صورة الله التي شوهتها خطيئتنا ونرتل مع صاحب المزمور: "أَطلعِ عَلينا نورَ وَجهِك، يا ربّ"، فيسطع نور نعمتك التي تثبّت صورتك فينا وتجعلنا على مثالك...

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.