2014-11-08 14:27:00

الإنجيل وقفة تأمُّل عند كلمة الحياة


اقتَرَبَ فِصحُ اليَهود، فصَعِدَ يسوعُ إِلى أُورَشَليم، فَرَأَى في الهَيكَلِ باعةَ البقَرِ والغَنَمِ والحَمام، والصَّيارِفَةَ جالِسين إلى طاولاتِهم. فَصَنَعَ مِجلَدًا مِن حِبال، وطَرَدَهم جَميعًا مِنَ الهَيكَلِ مع الغَنَمِ والبَقَر، ونَثَرَ دَراهِمَ الصَّيارِفَةِ وقلَبَ طاوِلاتِهم، وقالَ لِباعَةِ الحَمام: "اِرفَعوا هذا مِن ههُنا، ولا تَجعَلوا مِن بَيتِ أَبي بَيتَ تِجارَة". فتَذَكَّرَ تلاميذُه أَنَّه مَكْتوب: "الغَيْرَةُ على بَيتِكَ ستَأكُلُني". فأجابَه اليَهود: "أَيَّ آيةٍ تُرينا حتَّى تَفْعَلَ هذا؟" أَجابَهم يسوع: "اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام!" فقالَ اليَهود: "بُنِيَ هذا الهَيكَلُ في سِتٍّ وأَربَعينَ سَنَة، أوَ أَنتَ تُقيمُه في ثَلاَثةِ أيَّام؟" أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه. فلمَّا قامَ مِن بَينِ الأَموات، تذكَّرَ تَلاميذُه أَنَّه قالَ ذلك، فآمنوا بِالكِتابِ والكَلِمَةِ الَّتي قالَها يسوع (يوحنا 2، 13- 22).

للتأمل

تحتفل الكنيسة في هذا الأحد بعيد تدشين كنيسة القدّيس يوحنّا المعمدان في اللاتران برومة. شيَّد هذه الكنيسة الامبراطور قسطنطين. ويعود الاحتفال بعيد تدشينها الى القرن الثاني عشر، أولا في روما ثم في العالم كله، على اعتبار هذه الكنيسة "أم جميع كنائس المدينة والعالم ورأسها"، علامة على المحبة لكرسي بطرس والوحدة معه، كما كتب ذلك القديس أغناطيوس الأنطاكي: "المترئسة جماعة المحبة كلها". وبالتالي يقدم لنا إنجيل هذا الاحد مناسبة لنتأمل حول الكنيسة.

يكتب القديس بولس في رسالته إلى أهل قورنتس: نَحنُ جميعًا عامِلونَ مع الله، وأَنتُم حَقْلُ اللهِ وبُنيانُ الله... أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟ مَن هَدَمَ هَيكَلَ اللهِ هَدَمَه الله، لأَنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقدَّس، وهذا الهَيكَلُ هو أَنتُم..." يعلمنا قداسة البابا فرنسيس أنَّ الكنيسةَ ليست فقط جسدًا مبنيًّا بقوّة الروح القدس بل هي أيضًا جسدُ المسيح! نحنُ جسدُ المسيحِ حقًّا! وهذه العطيَّةُ الكُبرى التي ننالُها يومَ عمادِنا! ففي سرِّ المعموديّةِ، في الواقع، يجعلنا المسيحُ خاصّتَه ويقبلُنا في قلبِ سرِّ الصليبِ، السرّ العظيم لمحبته لنا، ليجعلنا بعدها نقومُ معه كخلائقَ جديدةٍ. فالمعمودية تشكّلُ ولادةً جديدةً، تخلقُنا مجدَّدًا في المسيحِ وتجعلُنا جزءًا منه وتوحِّدُنا فيما بيننا كأعضاءٍ للجسدِ عينِه الذي رأسه المسيح.

ما أجملَ أنْ نتذكّرَ غالبًا ما نحنُ عليه، وما فعلَهُ الربُّ يسوعُ معنا: نحنُ جسدُه، ذاك الجسد الذي لا يمكنُ لشيءٍ أو لأحدٍ بعدَ الآن أنْ ينتزعَه منه، والذي يغمرُهُ بمحبَّتِهِ، تمامًا كالعريسِ معَ عروسته. وينبغي على هذه الفكرة أنْ تُوَلِّدَ فينا الرغبةَ في مُبَادَلَةِ الربِّ يسوع ومُقاسَمةِ محبّتهِ بيننا كأعضاءٍ حيَّةٍ في جسده. لكن الخبرة الأجمل هي اكتشاف تعدد المواهب وعطايا الروح التي يفيضها الآب على كنيسته! ولا يجب أن يُنظر لهذا الأمر كدافع للاضطراب أو الانزعاج: فهي كلها هبات يمنحها الله للجماعة المسيحية، لكي تنمو بتناغم في الإيمان ومحبته كجسد واحد، جسد المسيح. والروح عينه الذي يعطي هذه المواهب المتعددة هو نفسه يوحّد الكنيسة، وبالتالي وأمام تعدد المواهب هذا ينبغي على قلبنا أن ينفتح على الفرح ويقول: "يا له من أمر جميل! عطايا كثيرة ومتعددة، لأننا جميعًا أبناء الله وجميعنا محبوبون بشكل فريد". الويل لنا إذًا إن أصبحت هذه العطايا دافعًا للحسد أو الانقسام! كما يذكر الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس، في الفصل الثاني عشر، بأن جميع المواهب مهمة في عيني الله وفي الوقت عينه ما من أحد مُتعذِّر استبداله. وهذا يعني أننا في الجماعة المسيحية نحتاج لبعضنا البعض، وكل عطيّة ننالها تعاش بملئها عندما نتقاسمها مع الإخوة من أجل خير الجميع. هذه هي الكنيسة! وعندما تعبر الكنيسة عن نفسها بالشركة، في تنوع مواهبها، لا يمكن أن تخطئ: هذا هو جمال حس الإيمان وقوته، ذلك الحس الفائق الطبيعة للإيمان الذي يمنحه الروح القدس لكي نتمكن معًا من الدخول في قلب الإنجيل وتعلُّم إتباع يسوع في حياتنا.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.