2014-11-25 14:30:00

كلمة البابا فرنسيس أمام مجلس أوروبا


زار قداسة البابا فرنسيس هذا الثلاثاء أيضا في ستراسبورغ مقرّ مجلس أوروبا حيث وجه كلمة عبّر فيها عن سروره بهذا اللقاء، وشكر الجميع على التزامهم وإسهامهم لصالح السلام في أوروبا، من خلال تعزيز الديمقراطية والحقوق الإنسانية ودولة القانون، كما وذكّر باحتفال مجلس أوروبا هذا العام بعيده الخامس والستين، وأشار إلى أن مشروع الآباء المؤسسين كان إعادة بناء أوروبا بروح خدمة متبادلة، وأضاف البابا أن الطريق المفضل للسلام ـ ولتحاشي تكرار ما حصل في الحربين العالميتين خلال القرن المنصرم ـ هو أن نرى في الآخر أخًا لنقبله، لا عدوا لنحاربه. وتوقف من ثمّ عند كلمات الطوباوي بولس السادس حول أهمية التوق لسلام يرتكز إلى مصالحة الأنفس. وأضاف البابا أنه لبلوغ السلام، لا بد أولا من التربية عليه، لإبعاد ثقافة النزاع، وأشار أيضا إلى أن السلام لا يزال مجروحًا جدا وللأسف. فهو مجروح في أنحاء عديدة من العالم، حيث تنتشر نزاعات من كل نوع. وهو مجروح أيضا في أوروبا، حيث لا تتوقف التوترات. ولفت بعدها للعمل الهام والمشجع لمجلس أوروبا في البحث عن حل سياسي للأزمات الحالية.

وتابع البابا كلمته قائلا إن السلام ممتحن أيضا بأشكال نزاع أخرى، كالإرهاب الديني والدولي الذي يحتقر الحياة البشرية ويحصد ضحايا أبرياء، وأشار إلى أن هذه الظاهرة تتغذى غالبا وللأسف من الاتجار بالأسلحة. ولفت من ثم للاتجار بالكائنات البشرية، وهي العبودية الجديدة في زماننا والتي تحوّل الأشخاص لسلع وتحرم الضحايا من كل كرامة. وأضاف متسائلا عن كيفية مواصلة هدف السلام، وقال إن الطريق الذي اختاره مجلس أوروبا هو قبل كل شيء تعزيز الحقوق الإنسانية، ويرتبط بها تعزيز الديمقراطية ودولة القانون. وأضاف البابا أنه عمل ثمين جدا مع نتائج أخلاقية واجتماعية هامة إذ من خلال إدراك سليم لهذه الكلمات وتأمل دائم بها، يعتمد نمو مجتمعاتنا وتعايشها السلمي ومستقبلها. وهذا البحث هو من بين الإسهامات الكبرى التي قدّمتها أوروبا ولا تزال تقدمها للعالم بأسره.

كما وذكّر البابا بأهمية إسهام أوروبا ومسؤوليتها في التنمية الثقافية للبشرية واستشهد بصورة للشاعر الإيطالي من القرن العشرين كليمينتي ريبورا الذي يصف في إحدى قصائده شجرة حَور أغصانها مرتفعة نحو السماء وتحركها الرياح، جذعها متين وقوي، وجذورها عميقة في الأرض. وقال: نستطيع أن نفكّر بمعنى ما بأوروبا في ضوء هذه الصورة. وأضاف البابا أنه للسير نحو المستقبل هناك حاجة للماضي ولجذور عميقة، وللشجاعة أيضا لعدم الاختباء أمام الحاضر وتحدياته. وتابع متوقفا مجددا عند قصيدة الشاعر الإيطالي ريبورا، وقال إن الجذور تتغذى من الحقيقة التي تشكل الغذاء، القوة الحيوية لأي مجتمع يريد أن يكون بحق حرا، إنسانيا ومتضامنا. ومن ناحية أخرى تحاكي الحقيقة الضمير. وأضاف البابا أنه بدون هذا البحث عن الحقيقة يصبح كل واحد مقياسا لنفسه ولتصرفه، ما يقود لتعزيز عولمة اللامبالاة التي تنبع من الأنانية.

أشار البابا إلى أنه من الفردانية تنبع ثقافة الإقصاء، وتحدث عن عدم القدرة في بناء علاقات إنسانية حقيقية مطبوعة بالحقيقة والاحترام المتبادل. وهكذا نجد اليوم أمام أعيننا صورة لأوروبا مجروحة بسبب محن الماضي العديدة، وبسبب أزمات الحاضر أيضا. وتابع الحبر الأعظم أن أوروبا مدعوة للتفكير إذا ما كان إرثها الكبير، الإنساني، الفني، التقني، الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي والديني، هو ببساطة إرث من الماضي، أم لا يزال قادرا أيضا على إيحاء الثقافة وإظهار كنوزه للبشرية كلها. ومن خلال الإجابة على هذا التساؤل، إن لمجلس أوروبا ومؤسساته دورا أوليا هاما. ولفت الأب الأقدس بهذا الصدد إلى دور المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تشكل بمعنى ما "ضمير" أوروبا في احترام الحقوق الإنسانية. وأمل بأن ينضج هذا الضمير أكثر فأكثر على الدوام كثمرة التوق نحو تلك الجذور العميقة التي تشكل الأسس التي عليها اختار أن يبني الآباء المؤسسون لأوروبا المعاصرة.

وتحدث الأب الأقدس عن أهمية الاستثمار في الحوار بين الثقافات من خلال اللقاءات حول البُعد الديني للحوار بين الثقافات، وأشار للإسهام الذي تستطيع المسيحية أن تقدمه اليوم للتنمية الثقافية والاجتماعية الأوروبية في إطار علاقة سليمة بين الدين والمجتمع. كما لفت البابا إلى أن الكنيسة الكاثوليكية، ولاسيما من خلال اتحاد المجالس الأسقفية في أوروبا، تستطيع التعاون مع مجلس أوروبا وتقديم إسهام أساسي حول مواضيع كثيرة وآنية، وأشار بنوع خاص للمسائل المرتبطة بحماية الحياة البشرية. وأشار البابا لمسألة الهجرات والاعتراف بكرامة الإنسان، ومسألة العمل لاسيما مع ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب وتحدث أيضا عن إقامة تعاون اجتماعي واقتصادي جديد قادر على مواجهة العالم المعولم، وعن الحفاظ على معنى التضامن والمحبة المتبادلة الذي طبع كثيرا وجه أوروبا بفضل العمل السخي لمئات الرجال والنساء ـ وتعتبر الكنيسة الكاثوليكية بعضهم قديسين ـ والذين عملوا على مر العصور من اجل تنمية القارة، من خلال أعمال تربوية وإعانية ورقي إنساني، وأشار أيضا للتعاون في حماية البيئة.

وختم البابا فرنسيس كلمته أمام مجلس أوروبا مذكّرا بأن الطوباوي بولس السادس قد وصف الكنيسة "بخبيرة في الإنسانية"، وقال إن الكرسي الرسولي يبغي مواصلة التعاون مع مجلس أوروبا الذي يضطلع اليوم بدور أساسي في صهر ذهنية الأجيال المستقبلية الأوروبية. 








All the contents on this site are copyrighted ©.