2015-04-25 13:22:00

عظة الكاردينال بارولين بمناسبة عيد القديس مرقس


بمناسبة عيد القديس مرقس الإنجيلي ترأس أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بياترو بارولين صباح اليوم القداس الإلهي في بازيليك القديس مرقس في البندقيّة وللمناسبة ألقى الكاردينال بارولين عظة قال فيها: نرى في كتاب أعمال الرسل أنه إزاء رفض سكان أورشليم ورؤساء الشعب بالاعتراف بأن يسوع هو المسيح وحكمهم عليه بالموت يظهر تدخُّل الله العظيم: "غَيرَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، فتَراءَى أَيَّامًا كَثيرةً لِلَّذينَ صَعِدوا معَه مِنَ الجَليلِ إِلى أُورَشَليم. وهُمُ الآنَ شُهودٌ له عِندَ الشَّعب". وقد سمعنا أحد هؤلاء الشهود، لا بل الشاهد الأساسيّ، بطرس، يدعونا لمقاومة الشرّير وينبّهنا من الآلام التي سنواجهها إن قدمنا شهادة إيمان راسخة. وهذا ما نراه أيضًا في أيامنا هذه، حيث يتطلّب إعلان الإيمان بالمسيح الاستعداد الكامل للاستشهاد.

تابع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول يقدم لنا الإنجيل الضمانة بأن التاريخ هو بين يدي الله الذي يقلب المقاييس والمشاريع الأرضيّة ويعرف كيف يحصد ثمار الخلاص من محدوديّة الكائن البشريّ وتهاونه وتمرّده. فالقديس مرقس، وإذ حمل لنا الإنجيل، رفعنا نحو العُلى وجعلنا نلتقي بالكلمة وبالحضور الحي للقائم من بين الأموات مُحررًا إيّانا من الخوف من مستقبل مجهول والتشاؤم العقيم إزاء صعوبات الحاضر والحزن والكآبة بسبب أخطاء الماضي. فالإنجيل يُظهر أن الله يتدخّل في التاريخ "بيد قديرة وذراع مبسوطة" (تثية 5، 15). ليجعله تاريخ خلاص موجّه لنا كأفراد أو كجزء من جماعة وبالتالي فإن واجبنا يقوم على الاعتراف بمخطّط المحبة والرحمة هذا لكل فرد منا وللجنس البشري بأسره.

هذه هي القوة التي تنبع من الإنجيل، ومن الفرح الذي يعطيه الإنجيل فقط يمكننا أن نحمله للآخرين بقبولنا لوصيّة يسوع لنذهب في العالم كله ونعلن البشارة إلى الخلق أجمعين. فالبشارة تولد بالذات من المحبّة التي يفيضها المسيح في قلوبنا. ومع إعلان يوبيل الرحمة المقبل يذكرنا البابا فرنسيس بأنه على البشارة أن تكون إعلان وشهادة محبّة ورحمة: "فرسالة الكنيسة هي إعلان رحمة الله، القلب النابض للإنجيل، والذي من خلاله تبلغ قلب وعقل كل إنسان. إن عروس المسيح تتبنى تصرف ابن الله الذي انطلق لملاقاة الجميع دون أن يستثني أحدا. في زماننا هذا، الذي تلتزم فيه الكنيسة بالكرازة الجديدة بالإنجيل، لا بد من إعادة اقتراح موضوع الرحمة بحماسة جديدة وبعمل رعوي متجدد. إنه لأمر ضروري بالنسبة للكنيسة ومصداقية إعلانها أن تعيش الكنيسة الرحمة وتكون في طليعة الشاهدين لها. ينبغي أن يعكس خطابها وأعمالها الرحمة كي تدخل في قلوب الأشخاص وتحثهم على إعادة اكتشاف طريق العودة إلى الآب".

أضاف الكاردينال بارولين يقول لقد تمكن القديس مرقس من كتابة الإنجيل وإعطائنا إياه لأنه عاشه أولاً في الإتباع المتواضع والأمين. فما من طريقة أخرى لنقل الإنجيل إلا من خلال التواضع الذي يُعاش به، تشبُّها بتواضع ابن الله في إخلاء ذاته وانحنائه علينا وجهوزيّته في مرافقتنا وبذل حياته في سبيلنا. وبالتالي فالذين قد نالوا من الرب مسؤوليات أكبر أو مواهب وميزات أكبر لا يمكنهم أن يختاروا مسيرة غير تلك التي تلتزم بحمل النير الخفيف لتواضع المسيح ورحمته، وقوّته بالسماح للضعفاء والأخيرين بالاقتراب منا ومساءلتنا. يؤكّد لنا القديس بطرس: "البَسوا كُلُّكُم ثَوبَ التَّواضُع، في مُعامَلةِ بَعضِكم لِبَعْض" وبالتالي ينبغي على التواضع والرحمة أن يصبحا الأسلوب الذي ننقل من خلاله حقيقة الإنجيل والمنطق الذي نعبر من خلاله عن آرائنا ونتخذ قراراتنا تشبُّهًا بتواضع ورحمة ابن الله.

وختم الكاردينال بارولين عظته بالقول ليحثنا القديس مرقس على قراءة الإنجيل مجدّدًا لنكتشف نضارته وآنيته الدائمتين والفرح الذي يحمل السلام فيحل في روح كل شخص يقبل البشرى السارة لقيامة الرب يسوع من الموت. وليمنح الشجاعة والمثابرة والتكرّس الضروريّين للذين يتولون مسؤوليات في الإطار المدني ليقوموا بمهمتهم في خدمة الخير العام. وأضاف: يُصادف الخامس والعشرين من نيسان في هذا العام مع الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالميّة الثانية في إيطاليا ولصراع الأشقّاء المأساوي والذي دام لمدة سنتين من أيلول سبتمبر من عام 1943 حتى نيسان أبريل من عام 1945. لتدفعنا ذكرى انتهاء الحرب العالمية على العمل بحماس متجدّد من أجل السلام والوفاق بين الشعوب، ولتلزمنا لنكون أكثر تضامنًا مع المهمّشين والأخيرين ونبقى متيقظين إزاء المخاطر التي تأتي من الذين، وإذ يستغلّون ويستخدمون مصالح خاصة، ينزلون بالبشريّة جراح العنف والاستعباد بدلاً من أن يحملوا لها الحريّة والعدالة.                                 








All the contents on this site are copyrighted ©.