2015-10-04 11:47:00

البابا فرنسيس يفتتح أعمال الجمعية العامة لسينودس الأساقفة حول العائلة


ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس مفتتحاً أعمال الجمعية العامة لسينودس الأساقفة حول العائلة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول: "إِذا أَحَبَّ بَعضُنا بَعضًا، فالله فينا مُقيمٌ ومَحَبَّتُه فينا مُكتَمِلَة" (1 يوحنا 4، 12). تبدو القراءات البيبلية في هذا الأحد وكأنها اختيرت خصيصًا لحدث النعمة الذي تعيشه الكنيسة، أي الجمعيّة العادية لسينودس الأساقفة حول موضوع العائلة والتي نفتتحها في هذا الاحتفال الافخارستي.

تابع البابا فرنسيس يقول كما نقرأ في القراءة الأولى، كان آدم يعيش في الجنّة، وسمّا الخلائق الأخرى وزاول سلطة تُظهِر سموّه الذي لا مثيل له، وعلى الرغم من هذا كان يشعر بأنه وحيد، لأنه "لم يجَد له عَونًا بإِزائِه" واختبر الوحدة، المأساة التي لا تزال اليوم تمتحن العديد من الرجال والنساء. أفكر بالمسنين المتروكين حتى من أحبّائهم وأبنائهم، بالأرامل والعديد من الأشخاص الذين يشعرون بأنهم وحيدين ولا يُفهمون. اليوم نعيش مناقضة عالم معولم نرى فيه العديد من المباني الفاخرة ولكن نرى حرارة أقل في البيت والعائلة. ويزداد أكثر فأكثر عدد الأشخاص الذين يشعرون بأنهم وحيدين وعدد الذين ينغلقون في الكبرياء والحزن والعنف المدمّر والاستعباد للذة وللمال. واليوم، نعيش بمعنى آخر، خبرة آدم عينها: الكثير من السلطة يرافقها الكثير من الضعف والوحدة، والعائلة هي الأيقونة.

أضاف الأب الأقدس يقول نقرأ أيضًا في القراءة الأولى أن الله قد حزن لدى رؤيته وحدة آدم وقال: "لا يَحسُنُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه، فأَصنَعُ لَهُ عَونًا بِإِزائِه" (تكوين 2، 18). تُظهر هذه الكلمات أن لا شيء يفرح قلب الإنسان كقلب يُشبهه، كقلب بإزائه يحبّه ويخرجه من وحدته. تُظهر هذه الكلمات أيضًا أن الله لم يخلق الإنسان للحزن والوحدة وإنما للسعادة وليتشارك مسيرته مع شخص آخر يكمّله ويعيش الحب أي أن يُحبَّ ويُحَب! هذا هو حلم الله لخليقته الحبيبة: أن يراها مُحقَّقة في اتحاد الحب بين رجل وامرأة؛ اتحاد فرِح في المسيرة المُشترَكة، وخصب في بذل الذات المُتبادل. إنه المخطَّط نفسه الذي يلخّصه يسوع في إنجيل اليوم بهذه الكلمات: "مُنذُ بَدءِ الخَليقَة "جعَلَهما اللهُ ذَكَرًا وأُنْثى. ولِذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرأَتَه. ويَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحدًا. فلا يكونانِ بَعدَ ذلِكَ اثنَينِ، بل جسَدٌ واحِد". فيسوع، وإزاء السؤال البلاغي الذي وُجِّه إليه يجيب بطريقة بسيطة وغير متوقَّعة: يعيد كل شيء إلى بداية الخليقة، ليعلّمنا أن الله يبارك الحب البشري، هو الذي يجمع قلبي رجل وامرأة يحبّان بعضهما ويجمعهما في الوحدة وعدم الانحلال.  

تابع البابا فرنسيس يقول: "فما جَمَعَه الله فَلا يُفَرِّقَنَّه الإِنسان" إنها دعوة للمؤمنين لتخطّي جميع أشكال الفرديّة والتمسُّك بالقانون التي تُخفي كبرياء وخوفًا من التمسُّك بالمعنى الأصيل للزوجين وللعلاقات الجنسية الإنسانية في مُخطط الله. فالزواج بالنسبة لله ليس مثاليّة مراهقة، بل حُلم بدونه يتعيّن على خليقته أن تعيش في الوحدة. إنها لمفارقة أن إنسان اليوم أيضًا – والذي استهزأ بهذا المُخطّط – لا يزال منجذبًا لكل حبٍّ حقيقي وراسخ، لكل حبٍّ خصب وأمين وأبدي. نراه يبحث عن أشكال حبٍّ زمنيّة لكنّه يحلم بحبٍّ أصيل؛ يركض خلف ملذات جسديّة لكنّه يرغب ببذل ذات كامل. في هذا الإطار الاجتماعي والزوجي الصعب، الكنيسة مدعوّة لتعيش رسالتها في الأمانة والحقيقة والمحبّة.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن الكنيسة مدعوة لتعيش رسالتها في الأمانة لمعلّمها كصوت يصرخ في البريّة لتدافع عن الحب الأمين وتشجّع العائلات العديدة التي تعيش زواجها كفسحة يظهر من خلالها الحب الإلهي. إن الكنيسة مدعوة لتعيش رسالتها في الحقيقة التي لا تتغيّر بحسب الموضة والأفكار السائدة. الحقيقة التي تحمي الإنسان والبشريّة من تجارب المرجعيّة الذاتيّة. إن الكنيسة مدعوة لتعيش دعوتها في المحبّة التي لا تمدُّ إصبعها لتحاكم الآخرين بل تشعر بواجب البحث عن الأزواج المجروحين ومداواتهم بزيت القبول والرحمة وتخرج من ذاتها نحو الآخرين بحب حقيقيّ لتسير مع البشريّة المجروحة وتقودها إلى ينبوع الخلاص. كنيسة تعلّم القيم الأساسية وتدافع عنها بدون أن تنسى أن "السَّبتَ جُعِلَ لِلإِنسان، وما جُعِلَ الإِنسانُ لِلسَّبت" (مر 2، 27)؛ وأن يسوع قد قال: "ليسَ الأَصِحَّاءُ بِمُحْتاجينَ إِلى طَبيب، بلِ المَرْضى. ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبرار، بلِ الخاطِئين" (مر 2، 17). كنيسة تربّي على الحب الأصيل القادر أن ينشلنا من الوحدة بدون أن تنسى رسالتها كسامري صالح للبشريّة المجروحة.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أتذكر القديس يوحنا بولس الثاني عندما كان يقول: "ينبغي على الدوام أن ندين الخطأ والشرّ ونحاربهما ولكن ينبغي أن نفهم ونحب الإنسان الذي يسقط أو يُخطئ... علينا أن نحبَّ زمننا ونساعد إنسان زمننا". بهذا الروح نسأل من الرب أن يرافقنا في السينودس وأن يقود كنيسته بشفاعة الطوباوية مريم العذراء والقديس يوسف خطّيبها.








All the contents on this site are copyrighted ©.