2015-10-31 14:03:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذَلِكَ ٱلزَّمان، لَمّا رَأى يَسوعُ ٱلجُموع، صَعِدَ ٱلجَبَلَ وَجَلَس، فَدَنا إِلَيهِ تَلاميذُهُ. فَشَرَعَ يُعَلِّمُهُم، قائِلاً: "طوبى لِفُقَراءِ ٱلرّوح، فَإِنَّ لَهُم مَلَكوتَ ٱلسَّمَوات. طوبى لِلوُدَعاء، فَإِنَّهُم يَرِثونَ ٱلأَرض. طوبى لِلمَحزونين، فَإِنَّهُم يُعَزَّون. طوبى لِلجِياعِ وَٱلعِطاشِ إِلى ٱلبِرّ، فَإِنَّهُم يُشبَعون. طوبى لِلرُّحَماء، فَإِنَّهُم يُرحَمون. طوبى لأطهارِ ٱلقُلوب، فَإِنَّهُم يُشاهِدونَ ٱلله. طوبى لِلسّاعينَ إِلى ٱلسَّلام، فَإِنَّهُم أَبناءَ ٱللهِ يُدعَون. طوبى لِلمُضطَهَدينَ عَلى ٱلبِرّ، فَإِنَّ لَهُم مَلكوتَ ٱلسَّمَوات. طوبى لَكُم، إِذا شَتَموكُم وَٱضطَهدوكُم وَٱفتَرَوا عَلَيكُم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي، اِفَرحوا وابْتَهِجوا: إِنَّ أَجرَكم في السَّمَواتِ عظيم" (متى 5، 1- 12).

للتأمل

بالاحتفال بعيد جميع القديسين وتذكار الموتى المؤمنين تعيش الكنيسة التي تحج على الأرض وتُعبّر من خلال الليتورجيّة عن الرابط الروحي الذي يجمعها بالكنيسة السماوية. واليوم نرفع التسبيح لله من أجل أجواق القديسين والقديسات: رجال ونساء عاديّون وبسطاء، أحيانًا "آخرون" بالنسبة للعالم ولكنهم "أوّلون" بالنسبة لله. في الوقت عينه نتذكر أمواتنا الأعزاء بزيارة المدافن: إنها لتعزية كبيرة أن نفكّر بأنهم في السماء بصحبة العذراء مريم والرسل والشهداء وجميع القديسين والقديسات. يساعدنا عيد اليوم على التأمل بحقيقة جوهريّة للإيمان المسيحي الذي نعلنه في قانون الإيمان وهي شركة القديسين. إنها الشركة التي تولد من الإيمان وتجمع كلُّ الذين ينتمون للمسيح بقوّة المعموديّة. إنها اتحاد روحي لا ينتهي بالموت بل يستمر في الحياة الثانية، في الواقع هناك رابط لا ينحلّ بيننا نحن الذين نعيش في هذا العالم ومن عبروا عتبة الموت، ومعهم نشكل عائلة كبيرة.

هذه الشركة الرائعة بين الأرض والسماء تتمُّ بشكل عميق في الليتورجية، وخصوصًا في الاحتفال بالافخارستيا التي تُعبِّر وتحقق الاتحاد الأكثر عمقًا بين أعضاء الكنيسة. في الافخارستيا، في الواقع، نلتقي بيسوع الحيّ وبقوته، وبواسطته ندخل بشركة مع إخوتنا في الإيمان: أولئك الذين يعيشون معنا على الأرض والذين سبقونا إلى الحياة الثانية تلك التي لا نهاية لها. إن حقيقة هذه الشركة تملؤنا بالفرح: ما أجمل أن يكون لدينا العديد من الإخوة والأخوات في الإيمان يسيرون إلى جانبنا ويعضدوننا بمساعدتهم ويسيرون معنا الدرب عينها نحو السماء. ويعزينا أن نعرف أن هناك إخوة آخرون قد بلغوا السماء وينتظروننا ويصلون من أجلنا لكي نتمكن أن نتأمل معًا إلى الأبد وجه الآب المجيد والرحوم.

يذكرنا عيد اليوم بأن هدف وجودنا ليس الموت بل الحياة الأبديّة! كما يكتب القديس يوحنا في رسالته الأولى: "أَيُّها الأَحِبَّاء نَحنُ مُنذُ الآنَ أَبناءُ الله ولَم يُظهَرْ حتَّى الآن ما سَنَصيرُ إِليه. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا نُصبِحُ عِندَ ظُهورِه أَشباهَه لأَنَّنا سَنَراه كما هو". فالقديسون، أصدقاء الله يؤكدون لنا هذا الوعد الذي لا يخيّب، لقد عاشوا حياتهم الأرضية في شركة عميقة مع الله ليصبحوا بعدها شبيهين به، لقد رأوا وجه الله في إخوتهم الصغار والمحتقرين وهم الآن يتأملونه وجهًا لوجه في جمال مجده. القديسون ليسوا رجالاً ونساءً خارقين، ولم يولَدوا كاملين. إنهم أشخاص عاشوا، قبل أن ينتقلوا إلى مجد السماء، حياة عادية مليئة بالأفراح والأحزان، بالتعب والرجاء. وعندما اكتشفوا محبة الله، تبعوه من كل قلبهم دون شروط، وصرفوا حياتهم في خدمة الآخرين، تحمّلوا الآلام والمحن دون أن يعرفوا الكره، أجابوا على الشرّ بالخير ونشروا الفرح والسلام. القديسون هم رجال ونساء يحملون الفرح في قلوبهم وينقلونه للآخرين.

القداسة ليست امتياز للبعض وإنما هي دعوة للجميع. لذلك فجميعنا مدعوون لنسير على درب القداسة، وهذه الدرب تحمل اسم وسمات يسوع المسيح. فهو يرينا الطريق في الإنجيل من خلال التطويبات. في الواقع إن ملكوت السماوات هو للذين لا يضعون ثقتهم في الأشياء وإنما في محبة الله، ملكوت الله هو لأصحاب القلوب البسيطة والمتواضعة والذين لا يظنون أنفسهم أبرارًا ولا يحكمون على الآخرين، ملكوت الله هو للذين يتألمون مع المتألمين ويفرحون مع الفرحين، ملكوت الله هو للرحماء ولصانعي المصالحة والسلام. اليوم وفي هذا العيد، يريد القديسون أن يعطونا رسالة، ويقولون لنا ثقوا بالرب لأنه لا يخيّب أبدًا! يشجعوننا بشهادتهم كي لا نخاف من السير بعكس التيّار ومن عدم التفهم والاستهزاء عندما نبشر بالرب وبإنجيله، يظهرون لنا من خلال حياتهم أن الذي يبقى أمينًا لله ولكلمته يختبر عزاء محبة الله وهو لا يزال على هذه الأرض، "ومائة ضعف" هذه المحبة في الحياة الأبديّة! هذا هو رجاؤنا وهذا ما نطلبه من الرب من أجل إخوتنا وأخواتنا الراقدين. لذلك وضعت الكنيسة بحكمتها عيد جميع القديسين وتذكار الموتى المؤمنين في يومين متتاليين، لكيما تتحد بصلاة التمجيد لله وتكريمنا للقديسين صلاتنا من أجل الذين سبقونا وانتقلوا من هذه الحياة إلى الحياة الأبديّة! لنكل إذا صلاتنا لشفاعة مريم العذراء سلطانة جميع القديسين!

 

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.