2015-11-26 16:51:00

البابا فرنسيس يزور مكتب الأمم المتحدة في نيروبي


في إطار زيارته إلى كينيا توجه قداسة البابا فرنسيس عصر الخميس إلى مكتب الأمم المتحدة في نيروبي حيث ألقى كلمة استهلها شاكرًا المديرة العامة لمكتب الأمم المتحدة في نيروبي السيدة ساهليه ورك زيوديه، والسيد آخيم شتاينر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والسيد يوان كلوس المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة.

تابع الأب الأقدس يقول بعد أيام قليلة سيبدأ في باريس اجتماع مهمّ حول التغيير المناخي والذي ستدرس فيه الجماعة الدوليّة مجدّدًا هذه المعضلة. وفي هذا الإطار الدولي ستشير كل مبادرة للعناية بالخليقة، صغيرة كانت أم كبيرة، فرديّة أم جماعيّة، إلى الدرب الأمين من أجل "إبداع سخي ونبيل يُظهر أفضل ما في الكائن البشريّ" (كُن مسبّحًا، عدد 211). "فالمناخ هو خير عام، للجميع ومن أجل الجميع؛... تمثِّل التغييرات المناخيّة مشكلة عالميّة ذات أبعاد بيئيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وتوزيعيّة وسياسيّة خطيرة، وهي تشكّل إحدى أهم التحديات الحاليّة للبشريّة" (كُن مسبّحًا، عدد 23- 25). ينبغي على جوابها أن "يحتوي على منظور اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الحقوق الجوهريّة لمن هم أقل حظًّا" (كُن مسبّحًا، عدد 93). إذ أن "سوء استعمال البيئة وتدميرها هما، في الوقت عينه، مرتبطان في عمليّة تهميش لا يمكن إيقافها" (الخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 25 أيلول 2015).

أضاف الحبر الأعظم يقول يمكن لاتفاق باريس أن يعطي علامة واضحة في هذا الاتجاه، شرط أن – وكما قلت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة – نتحاشى "كل تجربة وقوع في اسميّة خطابية مع تأثير مهدئ على الضمائر. كما وعلينا التنبّه لأن تكون مؤسساتنا فعّالة حقًا في مكافحة جميع هذه الآفات" (المرجع عينه). لذلك آمل أن يحمل المؤتمر حول التغييرات المناخيّة "COP21" إلى التوصل إلى اتفاق عالمي و"مُحوِّل" يقوم على مبادئ التضامن والعدالة والمساواة والمشاركة ويوجّه نحو أهداف ثلاثة: تخفيض تأثير التغييرات المناخيّة، الكفاح ضدّ الفقر واحترام الكرامة البشريّة.

تابع البابا فرنسيس يقول نحن ندرك أن "البشر القادرين على الانحطاط إلى أقصى الحدود، هم قادرون أيضًا على تخطي ذواتهم والعودة من جديد لاختيار الخير والتجدُّد" (كُن مسبّحًا، عدد 205). إن هذا الإدراك العميق يحملنا على الرجاء بأنه، وفي حين أن إنسان ما بعد عصر الصناعة سيُذكر بأنه كان الأكثر تميّزًا بعدم المسؤوليّة، على مدى التاريخ "فإنَّ إنسان مطلع القرن الحادي والعشرين سيُذكَر بأنه تحمّل بسخاء مسؤولياته الجسام" (كُن مسبّحًا، عدد 165). لذلك من الأهميّة بمكان أن نضع الاقتصاد والسياسة في خدمة الشعوب حيث "ينظّم الكائن البشري بالتناغم مع الطبيعة نظام الإنتاج والتوزيع بأكمله لكي تجد قدرات ومتطلبات كل فرد تعبيرًا ملائمًا في البعد الاجتماعي" (الخطاب للحركات الشعبية، 9 تموز 2015). ليس الأمر مثاليّة أو ضربًا من الخيال وإنما هو منظار واقعي يضع الشخص البشري وكرامته كنقطة انطلاق كل شيء ينبغي أن يتوق إليها.

أضاف الأب الأقدس يقول إن تغيير المسار الذي نحتاجه لا يمكن تحقيقه بدون التزام جوهريّ في التعليم والتنشئة. إذ لا يمكن تحقيق شيء ما لم تترافق الحلول السياسيّة والتقنية بعمليّة تربويّة تعزِّز أساليب حياة جديدة، وأسلوب ثقافي جديد. وهذا الأمر يتطلّب تنشئة موجّهة لتنمّي في الأطفال والنساء والرجال والشباب والبالغين ثقافة العناية: العناية بالذات والعناية بالآخرين، العناية بالبيئة، بدلاً من ثقافة الانحطاط والإقصاء. كثيرة هي الوجوه والقصص والتبعات الواضحة في ملايين الأشخاص الذين حملتهم ثقافة الانحطاط والإقصاء للتضحيّة لأصنام الربح والاستهلاك. لذلك ينبغي علينا أن نتنبّه للعلامة الحزينة "لعولمة اللامبالاة التي تجعلنا نعتاد على ألم الآخر كما وكان شيئًا عاديًّا" (رسالة اليوم العالمي للتغذية 2013)، لا بل أسوء من ذلك أن نستسلم لأشكال متطرفة ومشينة للإقصاء والتهميش الاجتماعي. "إنه لمأساوي جدًّا الارتفاع في أعداد المهاجرين، الهاربين من البؤس المتفاقم بسبب التدهور البيئي، والذين لا يُعترف بهم كلاجئين بحسب الاتفاقيات الدوليّة ويحملون ثقل حياتهم التي تركوها بدون أن تشملهم أية تشريعات وقائيّة" (كُن مسبّحًا، عدد 205). كثيرة هي الأرواح وكثيرة هي القصص والأحلام التي تغرق في حاضرنا. وبالتالي لا يمكننا أن نقف غير مبالين أمام هذا الأمر، لا بل لا يحقُّ لنا أن نقف غير مبالين!

تابع البابا فرنسيس يقول أريد أن أعبّر عن تشجيعي للذين وعلى صعيد محلّي ودولي يعملون من أجل تأمين عمليّة تمدّن تتحول إلى وسيلة فعّالة في سبيل التقدّم والإدماج، من أجل تأمين أوضاع حياة كريمة للذين يعيشون في الأحياء النائية ولكي تضمن لهم الحقوق الأساسيّة للأرض والبيت والعمل. لذلك من الأهميّة بمكان تعزيز مبادرات تخطيط مدني وعناية بالأماكن العامة تسير في هذا الاتجاه وتشمل المقيمين المحليين. وفي هذا الإطار يمكن للمؤتمر الثالث المقبل لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة والذي سيُعقد في كيتو في شهر تشرين الأول أكتوبر من عام 2016 أن يشكّل نقطة مهمّة لتحديد الأساليب في مواجهة هذه المسائل.

أضاف الأب الأقدس يقول بعد أيام قليلة ستستقبل مدينة نيروبي المؤتمر العاشر لمنظمة التجارة العالمية، وتمنى في هذا السياق أن تكون قراراته في سبيل العناية بالبيت المشترك والنمو المتكامل للشخص البشري ولاسيما الأشخاص المتروكين. وتابع البابا فرنسيس يقول تقدّم أفريقيا للعالم جمالاً وغنى طبيعيين يحملاننا على تسبيح الخالق. إن هذا الإرث الأفريقي وإرث البشرية بأسرها يتعرّض لخطر دمار مستمرّ بسبب المصالح الشخصيّة واستغلال أوضاع الفقر والتهميش. وأشار الحبر الأعظم إلى أنه وفي سياق العلاقات الاقتصادية بين الدول والشعوب لا يمكن التواني عن الحديث عن التجارات غير المشروعة التي تنمو في إطار الفقر والتي تُغذي بدورها الفقر والتهميش، وأشار البابا فرنسيس في هذا السياق إلى التجارات غير المشروعة بالألماس والأحجار الكريمة والمعادن النادرة وتجارة العاج التي تغذي الجرائم المنظمة والإرهاب وقال يشكل هذا الوضع أيضًا صرخة البشر والأرض التي ينبغي أن تسمعها الجماعة الدولية.

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول خلال زيارتي لمقرّ هيئة الأمم المتحدة في نيويورك عبّرت عن رجائي بأن يشكّل عمل الأمم المتحدة "تعهدًا لمستقبل آمن وسعيد لأجيال الغد. وهذا سيتحقق إذا ما تمكن ممثلو الدول من تحييد المصالح القطاعية والأيديولوجيات والبحث بصدق عن خدمة الخير العام". أُجدّد مرة أُخرى التزام الجماعة الكاثوليكية والتزامي بالصلاة المستمرّة والتعاون لكي تُعاش ثمار التعاون الإقليمي، والتي تظهر بقوّة في الاتحاد الأفريقي وفي العديد من الاتفاقات الأفريقية للتجارة والتعاون والنمو، آخذين بعين الاعتبار على الدوام الخير العام لأبناء هذه الأرض.           








All the contents on this site are copyrighted ©.