2016-02-06 12:20:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذَلِكَ ٱلزَّمان، ازدَحَمَ الجَمعُ عَلى يَسوعَ لِسَماعِ كَلِمَةِ ٱلله، وَهُوَ قائِمٌ عَلى شاطِئِ بُحَيرَةِ جِنّاسَرِت. فَرَأى سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ ٱلشّاطِئ، وَقَد نَزَلَ مِنهُما ٱلصَّيّادونَ يَغسِلونَ ٱلشِّباك. فَصَعِدَ إِلى إِحدى ٱلسَّفينَتَين وَكانَت لِسِمعان. فَسَأَلَهُ أَن يُبعِدَ قَليلاً عَنِ ٱلبَرّ. ثُمَّ جَلَسَ يُعَلِّمُ ٱلجُموعَ مِنَ ٱلسَّفينَة. وَلَمّا فَرَغَ مِن كَلامِهِ، قالَ لِسِمعان: "سِر في ٱلعُرض، وَأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد". فَأَجابَ سِمعان: "يا مُعَلِّم، تَعِبنا طَوالَ ٱللَّيلِ وَلَم نُصِب شَيئًا. وَلَكِنّي أُرسِلُ ٱلشِّباكَ بِناءً عَلى قَولِكَ". وَفَعَلوا فَأَصابوا مِنَ ٱلسَّمَكِ شَيئًا كَثيرًا جِدًا، وَكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق. فَأَشاروا إِلى شُرَكائِهِم في ٱلسَّفينَةِ ٱلأُخرى أَن يَأتوا وَيُعاوِنوهُم. فَأَتَوا، وَمَلأوا كِلتا ٱلسَّفينَتَينِ حَتّى كادَتا تَغرَقان. فَلَمّا رَأى سِمعانُ بُطرُسُ ذَلِكَ، ارتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع، وَقال: "يا رَبّ، تَباعَد عَنّي، إِنّي رَجُلٌ خاطِئ". وَكانَ ٱلرُّعبُ قَدِ ٱستَولى عَلَيهِ وَعَلى أَصحابِهِ كُلِّهِم، لِكَثرَةِ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذي صادوه. وَمِثلُهُم يَعقوبُ وَيوحَنّا ٱبنا زَبدى، وَكانا شَريكَي سِمعان. فَقالَ يَسوعُ لِسِمعان: "لا تَخَف! سَتَكونُ بَعدَ ٱليَومِ لِلنّاسِ صَيّادًا". فَرَجَعوا بِٱلسَّفينَتَينِ إِلى ٱلبَرّ، وَتَركوا كُلَّ شَيءٍ وَتَبِعوه (لوقا 5، 1- 11).

للتأمل

يقدم لنا إنجيل اليوم بحسب القديس لوقا نص دعوة الرسل الأوائل. فبينما كان الجمع يزدحم على شاطئ بحيرة جناسرت لسماع يسوع، رأى يسوع سمعان محبطا لأنه لم يصب شيئاً طوال الليل. فسأله أن يصعد إلى سفينته وأن يبتعد قليلاً عن البر ثم جلس يعلم الجموع من السفينة. ولمَّا فَرَغَ مِن كَلامِه، قالَ لِسِمعان: "سِر في العُرض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد." سمع سمعان كلام الرب فأصابوا من السمك شيئاً كثيراً جداً.

يُظهر لنا الإنجيلي أن التلاميذ الأوائل تبعوا يسوع واثقين به، متكلين على كلمته، ففي البدء، نادى سمعان يسوع قائلا "يا معلّم" أما بعد الصيد العجيب فقد ناداه "يا رب". هكذا هي دعوة الله، الذي لا ينظر إلى نوعيّة الأشخاص وإنما إلى إيمانهم، تماما كسمعان الذي قال: "ولكِنِّي أُرسِلُ الشِّباكَ بِناءً على قَولِكَ." فخبرة بطرس الفريدة تمثل أيضا دعوة كل رسول للإنجيل، الذي يجب عليه ألا يوهِن العزم في إعلان المسيح لجميع البشر حتى أطراف العالم. يدعونا إنجيل اليوم للتأمل أيضا بالدعوة الكهنوتية وبالحياة المكرّسة. الدعوة هي عمل الله، ودعوة الإنسان ليست إلا جوابا للمبادرة الإلهية، ولا يجب أن نخاف من ضعفنا عندما يدعونا الله، علينا أن نثق بقدرته التي تعمل في ضعفنا وبقوة رحمته التي تحوّلنا وتجددنا.

يكتب القديس أغوسطينوس: " كم هي عظيمة محبّة الرّب يسوع المسيح! لقد كان بطرس صيّادًا؛ أمّا الآن، فإنّ أيّ خطيب يستطيع فهم هذا الصيّاد، فهو يستحقّ المديح... لو اختار الرّب يسوع المسيح منذ البدء خطّيبًا، لقال هذا في نفسه: "قد تمّ اختياري من أجل طلاقتي". ولو اختار رجلاً من بين الأعيان، لقال في نفسه: "قد تمّ اختياري من أجل مكانتي". وأخيرًا، لو اختار إمبراطورًا، لقال هذا الأخير في نفسه: "قد تمّ اختياري من أجل سلطتي". فليسكت هؤلاء إذًا ولينتظروا قليلاً وليهدؤوا. فلن يكونوا منسيّين ولا منبوذين، لينتظروا قليلاً لأنّهم يستطيعون التباهي بما لديهم. قال الرّب يسوع المسيح: "أعطني هذا الصيّاد، هذا الرجل البسيط غير المتعلّم، أعطني ذلك الذي لن يتنازل الأعيان لأجل محادثته، حتّى عندما يشترون منه سمكة. أجل، أعطني هذا الرجل. عندما أملأه، سوف ترون أنّني أنا وحدي أعمل فيه. بالطبع، سأعمل أيضًا في الأعيان، وفي الخطباء والأباطرة... لكن عملي سيكون ظاهرًا أكثر في صيّادي السمك. يستطيع الأعيان، وفي الخطباء والأباطرة أن يتباهوا بما هم عليه من مكانة وطلاقة وسلطة: غير أن الصيّادين لن يتباهوا إلاّ بالرّب يسوع المسيح. فليعلّمهم الصيّادون إذًا التواضع الذي يجلب السلام. وليكن الصيّادون في المقام الأوّل".

لتنعش إذًا كلمة الله فينا وفي جماعاتنا المسيحية الشجاعة والثقة والدفع لإعلان الإنجيل والشهادة له. فلا يقودنا الفشل والصعوبات إلى الإحباط: علينا أن نرسل شباكنا بإيمان، والرب يتكفّل بالباقي. لنثق أيضا بشفاعة مريم العذراء سلطانة الرسل، هي التي، عالمة بصغرها، أجابت على دعوة الله بتسليم تام: "هاأنذا"، فلنجدّد إذاً بعضدها الوالدي، جهوزيّتنا لإتباع المسيح المعلّم والرب.








All the contents on this site are copyrighted ©.