2016-05-25 12:30:00

البابا فرنسيس: إن الصلاة تساعدنا لنحافظ على الإيمان بالله ونتكل عليه حتى عندما لا نفهم مشيئته


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول: يحتوي المثل الإنجيلي الذي سمعناه على تعليم مهمّ: "وُجوب المُداوَمةِ على الصَّلاةِ مِن غَيرِ مَلَل" (الآية 1). فالأمر لا يتعلّق إذًا بالصلاة في بعض المرات أو عندما يحلو لي، لا، لأن يسوع يقول لنا أنه ينبغي علينا أن نداوم على الصلاة بدون ملل، ويخبرنا مثل الأرملة والقاضي.

تابع الأب الأقدس يقول القاضي هو شخص قوي، مدعو ليصدر أحكامًا على أساس شريعة موسى. لذلك كان التقليد البيبلي ينصح بأن يكون القضاة "رِجالاً أكْفَاءَ يخافونَ اللهَ وأُمنَاءَ يكرَهونَ الرَّشوةَ" (راجع خروج 18، 21). ولكن هذا القاضي كان "لا يَخافُ اللهَ ولا يَهابُ النَّاس" (الآية 2). لقد كان قاضيًا ظالمًا عديم الضمير ومجرد من المبادئ الخلقية، لا يحترم الشريعة ويفعل ما يحلو له، وقد ذهبت إليه أرملة لينصفها. لقد كان الأيتام والأرامل والغرباء ينتمون إلى الفئات الأشدّ ضعفًا في المجتمع، وكان من السهل أن تداس الحقوق التي كانت تضمنها لهم الشريعة، لكونهم أشخاصًا وحيدين وعُزَّل، وكان من الصعب عليهم أن يفرضوا احترامهم.

أضاف الحبر الأعظم يقول إزاء لامبالاة القاضي استعانت الأرملة بسلاحها الوحيد: الإصرار على إزعاجه سائلة إياه أن ينصفها، وبهذه المثابرة حقّقت مأربها. في الواقع، وفي مرحلة معيّنة أنصفها القاضي ليس بدافع الرحمة ولا لأن ضميره كان يمليه عليه؛ وإنما ويعترف ببساطة: "هذِه الأَرمَلَة تُزعِجُني، فسَأُنصِفُها لِئَلاَّ تَظَلَّ تَأتي وتَصدَعَ رَأسي" (الآية 5).

تابع البابا فرنسيس يقول من هذا المثل يستخرج يسوع نتيجتين: إذا كانت الأرملة قد نجحت في جعل القاضي المنافق يستجيب لها من خلال إصرارها، فكم بالأحرى الله الذي هو أب صالح وعادل "أَفما يُنصِفُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونه نهاراً ولَيلاً وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟ أَقولُ لَكم: إِنَّه يُسرِعُ إِلى إِنصافِهم" (الآيات 7- 8). لذلك يحث يسوع على الصلاة "من غير ملل". جميعنا نختبر لحظات تعب وإحباط، لاسيما عندما تبدو صلاتنا غير فعّالة. لكن يسوع يؤكّد لنا أنه وعلى خلاف القاضي المنافق، يُسرع الله إلى إنصاف أبنائه، حتى وإن كان هذا الأمر لا يتم في الأوقات والأساليب التي نريدها. الصلاة ليست عصا سحريّة! وإنما تساعدنا لنحافظ على الإيمان بالله ونتكل عليه حتى عندما لا نفهم مشيئته.

أضاف الأب الأقدس يقول تذكرنا الرسالة إلى العبرانيين أنه: " في أَيَّامِ حَياتِه البَشَرِيَّة رفعَ الدُّعاءَ والاِبتِهالَ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ ذَوارِف إِلى الَّذي بِوُسعِه أَن يُخَلِّصَه مِنَ المَوت، فاستُجيبَ لِتَقواه" (5، 7). للوهلة الأولى قد يبدو لنا هذا الإعلان غير قابل للتصديق لأنّ يسوع قد مات على الصليب. لكن على الرغم من ذلك فالرسالة إلى العبرانيين لا تخطئ: الله قد خلّص يسوع من الموت حقًّا ومنحه عليها غلبة كاملة، لكنّ الدرب التي سارها لينال هذه الغلبة قد مرّت عبر الموت! والإشارة إلى أن الله قد استجاب لدعائه يعيدنا إلى صلاة يسوع في الجتسماني. إذ كان يشعر بالحزن والكآبة، صلّى يسوع إلى الآب لكي يبعد عنه كأس الآلام المُرّة، لكنّ صلاته كانت مطبوعة بالثقة بالآب واستسلم بالكامل إلى ومشيئته وقال: "ولكن لا كما أَنا أَشاء، بَل كما أَنتَ تَشاء!" (متى 26، 39).

تابع الحبر الأعظم يقول ينتقل موضوع الصلاة إلى الدرجة الثانية؛ لأنّ ما يهمّ أولاً هو العلاقة مع الآب. هذا ما تفعله الصلاة: تحوّل الرغبة وتقولبها  بحسب مشيئة الله، مهما كانت، لأنّ الذي يصلي يتوق قبل كل شيء إلى الإتحاد بالله الذي هو الحب الرحيم. 

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول ينتهي المثل بسؤال "ولكِن، متى جاءَ ابنُ الإِنسان، أَفَتُراه يَجِدُ الإِيمانَ على الأَرض؟" (الآية 8). وبهذا السؤال قد تمّ تنبيهنا جميعًا: لا ينبغي علينا أن نتوقّف عن الصلاة حتى وإن لم تكن مستجابة. لأن الصلاة تحافظ على الإيمان وبدونها يُصبح الإيمان عرضة للشك! لنطلب من الرب إيمانًا يصبح صلاة مستمرّة ومثابرة كصلاة الأرملة في المثل، إيمانًا يتغذى من الرغبة بمجيئه. لأننا نختبر في الصلاة شفقة الله الذي كأب مليء بالمحبة الرحيمة يأتي للقاء أبنائه. 








All the contents on this site are copyrighted ©.