2016-06-04 16:05:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذَلِكَ ٱلزَّمان، ذَهَبَ يَسوعُ إِلى مَدينَةٍ يُقالُ لَها نائين، وَتَلاميذُهُ يَسيرونَ مَعَهُ، وَجَمعٌ كَثير. فَلَمّا ٱقَتَرَبَ مِن بابِ المَدينَة، إِذا مَيتٌ مَحمول، وَهُوَ ٱبنٌ وَحيدٌ لأمِّهِ وَهِيَ أَرمَلَة. وَكانَ يَصحَبُها جَمعٌ كَثيرٌ مِنَ ٱلمَدينَة. فَلَمّا رَآها ٱلرَّبّ، أَخَذَتهُ ٱلشَّفَقَةُ عَلَيها، فَقالَ لَها: "لا تَبكي!" ثُمَّ دَنا مِنَ ٱلسَّرير، فَلَمَسَهُ فَوَقَفَ حامِلوه. فَقال: "يا فَتى، أَقولُ لَكَ: قُم!" فَجَلَسَ ٱلمَيتُ وَأَخَذَ يَتَكَلَّم، فَسَلَّمَهُ إِلى أُمِّهِ. فَاستَولى ٱلخَوفُ عَلَيهِم جَميعًا فَمَجَّدوا ٱلله، قائِلين: "قامَ فينا نَبِيٌّ عَظيم، وَافتَقَدَ ٱللهُ شَعبَهُ!" وَانَتَشَرَ هَذا ٱلحَديثُ عَنهُ في شَأنِهِ في ٱليَهودِيَّةِ كُلِّها، وَفي جَميعِ ٱلنَّواحي ٱلمُجاوِرَة (لوقا 7، 11- 17).

للتأمل

إن شهر حزيران مكرس تقليديًا لقلب يسوع الأقدس، والذي هو التعبير البشري الأسمى عن المحبة الإلهية. لقد احتفلنا يوم الجمعة، في الواقع، بعيد قلب يسوع الأقدس، وهو عيد يطبع ويرافق هذا الشهر بكامله. تعطي التقوى الشعبية قيمة كبير للرموز، وقلب يسوع هو الرمز الأعظم لرحمة الله؛ لكنه ليس رمزا خياليًا، إنه واقعي، لأنه يمثل الينبوع الذي يتدفق منه الخلاص للبشرية بأسرها. فهو ليس القلب الذي يرحمنا وحسب وإنما هو الرحمة عينها: هناك تشع محبّة الآب، وهناك بجميع محدودياتنا وخطايانا نتذوق اليقين بأننا مختارون ومحبوبون. إنه قلب محبته لا تُحَدّ، لا تتعب ولا تستسلم أبدًا، وفيه نرى بذل ذات مستمرّ لا يعرف الحدود؛ هناك نجد ينبوع الحب الأمين والوديع الذي يتركنا أحرارًا ويحرّرنا؛ هناك نكتشف مجدّدًا في كل مرّة أن يسوع يحبّنا "إِلى أَقصى حُدودِ الحب" (يو 13، 1) بدون أن يفرض ذاته.

نجد في الأناجيل الكثير من الإشارات عن قلب يسوع، على سبيل المثال ذاك النص الذي يقول فيه المسيح نفسه: "تعالوا إلي جميعا أيها المرهقون المثقلون وأنا أريحكم. احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب" (مت 11: 28ـ29). أساسيٌ بعد ذلك سرد موت المسيح بحسب يوحنا. عندما يشهد الإنجيلي بالحقيقة بما قد رآه على الجلجلة، عندما طعنه جندي بالحربة في جنبه ومن تلك الطعنة خرج دم وماء (را. يو ١٩، ٣٣- ٣٤). قد عرف يوحنا في هذه العلامة، والذي يبدو ظاهريا بأنها مصادفة، تحقيق النبؤات: من قلب يسوع، الحمل المذبوح على الصليب، ينبعث الغفران والحياة للبشر أجمعين.

إن رحمة يسوع، ليست مجرد مشاعر وحسب، إنها قوة تهب الحياة، وتقيم الإنسان من الموت! وهذا ما يقوله لنا أيضا إنجيل اليوم، في سرد حادثة أرملة نائين (لو ٧، ١١- ١٧). يسوع وتلاميذه على وشك الوصول إلى نائين، قرية في الجليل، وفي ذات اللحظة كان يجري تشييع جنازة: يحملون فتىً، هو الابن الوحيد لأرملة. فيذهب نظر يسوع مباشرة إلى الأم الباكية. ويقول الإنجيلي لوقا: "فلما رآها الرب أخذته الشفقة عليها" (لوقا 7، 13). هذه "الشفقة" هي محبة الله للإنسان، إنها الرحمة، أي تصرف الله أمام بؤس البشر، أمام فقرنا، وآلامنا، ومعاناتنا. إن التعبير الكتابي "شفقة" يشير إلى أحشاء الأم: فالأم، في الواقع، تختبر ردة فعل خاصة بها للغاية أمام آلام أبنائها. هكذا يحبنا الله، كما يقول الكتاب المقدس.

وماذا كانت ثمرة هذه المحبة وهذه الرحمة؟ إنها الحياة! قال يسوع لأرملة نائين "لا تبكي"، ثم أيقظ الفتى الميت كما لو كان في نائما (آيات ١٣- ١٥). فلنفكر في هذا الأمر الجميل: إن رحمة الله تمنح الإنسان الحياة، وتقيمه من الموت. الرب ينظر لنا دائما برحمة، وينظرنا برحمة. دعونا ألا نخاف من الاقتراب منه! إن قلب الرب رحوم! فإن أظهرنا له جراحاتنا الباطنية، خطايانا، فهو يغفر لنا دائما. إنه رحمة خالصة!

فلنتوجه إلى العذراء مريم: نحو قلبها الأقدس، قلب الأم، هي التي فهمت محبّة الله ورحمته إلى أقصى الحدود، خاصة في ساعة آلام وموت يسوع. فلتساعدنا مريم في أن نكون ودعاء، ومتواضعين ورحماء مع أخوتنا.








All the contents on this site are copyrighted ©.