2017-01-01 14:22:00

عظة المطران بيتسابالا في عيد القديسة مريم، والدة الإله


احتفل المطران بييرباتيستا بيتسابالا بالقداس الإلهي صباح اليوم الأحد بمناسبة عيد القديسة مريم، والدة الإله واليوم العالمي الخمسين للسلام وقد تخلل الاحتفال عظة للمطران بيتسابالا جاء فيها لقد احتفلنا قبل أيّام قليلة بعيد ميلاد الربّ، وقد أحيينا فيه ذلك الحدث الّذي تمّ في التاريخ، حين لبس الربّ فيه جسدنا.

ونقلاً عن الموقع الرسمي للبطريركيّة اللاتينية في القدس تابع المطران بييرباتيستا بيتسابالا يقول والآن نتابع الاحتفال بالميلاد، لأنّ تلك الولادة لا تتوقّف عن أن تكون حيويّة وفعّالة: يواصل الربّ في أن يولد، وينموّ، ويقيم في حياة كلّ إنسان مُعمّد. ويقيم – بشكل خفيّ – في حياة كلّ إنسان. ولكنّ ولادة يسوع فينا ليست حدثاً ما يتمّ في لحظة واحدة: بل هو، إلى حدّ بعيد، عمليّة طويلة، تتطلّب الوقت والصبر، وتؤثر فينا شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى كلّ ركن من أركان حياتنا.

أضاف المطران بييرباتيستا بيتسابالا يقول يُعطينا إنجيل اليوم لمحة عن الحياة الداخليّة للسيّدة مريم العذراء، وعن الطريقة الّتي تتعلّم فيها، يوماً بعد يوم، الوقوف أمام سرّ ذلك الطفل اّلذي أُعطي لها. يروي لوقا أنّ الرعاة، بعد أن وجدوا العلامة الّتي كلّمهم الملاك عنها، يُخبرون “بما قيل لهم في ذلك الطفل” (لوقا 2، 17). يظلّ الحاضرون مشدوهين أمام هذه القصّة: ما يجدون أمامهم هو مجرّد طفل صغير، مثل الأطفال الآخرين، وقد جاء إلى الحياة في ظروف محفوفة بالمخاطر، حتّى أكثر من غيره. وبعد ذلك يعرفون أنّ ولادته كانت تُرافقها الظهورات السماويّة، والأحداث المذهلة.

تابع المطران بييرباتيستا بيتسابالا يقول يتقدّمنا السر، ويتجاوزنا ويُفاجئنا دائماً، وله في ذاته شيء لا يمكن التنبّؤ به، شيء جديدٌ تماماً، وغير قابل للفهم على الفور. وأمام الأمر الجديد الذي يحويه السرّ، يقول الإنجيليّ “كانت مريم تحفظ جميع هذه الأمور، وتتأمّلها في قلبها” (لوقا2، 19). ينبغي أن يكون من الطبيعي لدى مريم الوقوف أمام الربّ في الحياة: كخاتمة روايات الطفولة، وبعد حادثة يسوع، ابن الإثني عشر سنة، الّذي فُقد ومن ثم وُجد في هيكل أورشليم، يستخدم لوقا تعبير مشابه خاصّ بمريم: “وكانت أمّه تحفظ تلك الأمور كلّها في قلبها” ( لوقا 2، 51). في كلا الحالتين، لا تفهمّ مريم كلّ ما قد جرى. في حادثة أورشليم، يقولها الإنجيليّ بشكل واضح: “مريم ويوسف لم يفهما ما قاله يسوع لهما” (راجع لوقا 2، 50). تُشير كلمة “يحفظ” إلى موقف إيجابيّ ونشاط داخليّ، من التأمّل والتساؤل، بالتأكيد، ولكن أيضاً من التقبّل الإيجابي لكلّ ما يجري، بالرغم من عدم فهم كلّ شيء. يُسرع الرعاة نحو المغارة، يُشاهدون، يشهدون ويتعجّبون. إنّهم يشهدون لما يشاهدون. أما مريم فتصمت رغم أن الحدث يهمها. فعلاقتها مع ذلك الطفل مميزة. هو ربّها وجسد من جسدها. هو الحياة وها هي الان تنقل اليه الحياة، وتستغرق تسعة أشهر، ولقد اجتازت العديد من الشدائد. لكنّها لا تعرف بعد كيف تروي ما قد حدث لها.

أضاف المطران بييرباتيستا بيتسابالا يقول تحفظ في قلبها تمجيد البشارة، والترنيمة الّتي تدفّقت من قلبها حين التقت بأليصابات، تلك اللحظة الفريدة، العفويّة والمثيرة للدهشة، الّتي أحسّت به يتحرّك في أحشائها للمرّة الأولى. تتذكر أمر التعداد السكاني. تستذكر هجر بيت العائلة ومواجهة رحلة طويلة، وبعد ذلك الوصول إلى بيت لحم، حيث لا يوجد لهم مكان، والولادة في المغارة: كم قد أثرت كلّ تلك الأمور على قلب وفكر الصبيّة الناصريّة؟ ومع ذلك “كانت مريم، من طرفها، تحفظ كلّ تلك الأمور وتتأمّلها في قلبها“. الحفظ هو أكثر من الاحتفاظ: إنّه ترك الزمن يكشف ما حدث، هو جَعْل ذكاء القلب يكبر نتيجة الإصغاء لصمت الربّ.

تابع المطران بييرباتيستا بيتسابالا يقول توافق مريم وتترك الرب يعيش فيها، وتفسح المجال له، وترحب بالحياة الّتي تحدث، دون امتلاكها. تؤمن مريم بأن طفلها هذا ابن الإله. تسمح أن تكون الحياة مُغايرة لتوقّعاتها ومطالبها؛ تُعطي الثقة وتبقى في حالة من التوقّع النشط، بأن ذلك السرّ سوف يؤتي ثماره، وسوف يكون ثمرة للخلاص. الحفظ يعني التذكّر، ولكن دون إلقاء أيّ شيء ممّا يحدث، ودون التفكير بأنّ بعضا مما حصل لا يستحق الحفظ. الحفظ يقول لنا أنّ الإيمان ليس عبارة عن عمل لحظيّ، أو ربّما عمل بطوليّ، بل هو الموقف الإعتيادي واليومي لأولئك الّذين يؤمنون إيماناً ثابتاً بأنّ الحياة مأهولة بما هو أبعد من المنظور. بأن الحياة ليست فقط ما تراه عيوننا. نحن نحفظ كلّ ما هو أكبر من قلوبنا بكثير، وما يصعب استيعابه في اللحظة الحاليّة؛ ولكنّنا نحفظ أيضاً ما هو ضعيف هشّ، وبالتالي ما هو بحاجة إلى عناية وانتباه كبيرين. إن حضور يسوع هو أيضاً هكذاً: إنّه ليس امتلاكاً مضموناً، وليس ردّاً واضحاً، بل هو استفسار وبذرة، وهو الّذي يُطوّر كامل إمكاناته ببطء. ولهذا السبب هو بحاجة إلى عناية كبيرة. وأخيراً نحن نحفظ ما هو ثمين وله قيمة باهظة.

تابع المطران بييرباتيستا بيتسابالا يقول يمكننا، إذاً، البقاء أمام السرّ بطرق مختلفة: يمكننا أن ننكره (وسوف يكون هذا حال هيرودس، الّذي بفعل خوفه من السرّ سوف يسعى إلى قتل يسوع)؛ ويمكننا تجاهله (كقادة الشعب وكباره الّذين، أمام الإعلان عن ذلك الّذي قد وُلد في بيت لحم، لم يخطوا إلى الأمام للبحث عنه)؛ ويمكننا محاولة فهمه، من خلال طيّه وتغليفه داخل ما هو معروف، داخل بعض الأنماط المُطمئنة (وهذا ما سوف يفعله، في وقت لاحق، الفرّيسيّون وقادة الشعب)؛ ويمكننا إضاعته في الشارع؛ أو يمكننا حفظه. سوف يروي يسوع، في وقت لاحق، صورة لهذه الطرق المختلفة للترحيب بالسر، وسوف تكون هذه الصورة مثل الزارع، والبذور وأشكال التربة المختلفة (لوقا8، 4-15). وسوف نكتشف هناك أنّ الأرض الطيّبة هي طيّبة ليس لأنّها أفضل من الأشكال الأخرى من التربة، بل لكونها قادرة على الحفظ. إنّ المثابرة اليوميّة المتواضعة هيّ الّتي تُمكّن البذور من أن تموت وأن تولد، وأن تؤتي الثمار.

وخلص المطران المطران بييرباتيستا بيتسابالا إلى القول إنّ الطريقة المضمونة للحفظ هي ردّ الجميل: إنّ الحفظ لا يعني الدفن والإخفاء (مثل الوزنة المدفونة في التراب)؛ ولا يعني حتّى التمسّك الشديد بالشيء. ومن المحيّرأنه، من أجل الحفظ، يجب العطاء والمشاركة. فقط هكذا نستطيع الدخول في نظرة العطاء تلك، والّتي تتيح لنا الدخول في السرّ وفهمه، ليس بجهد فكريّ محض، بل بحياة تًصبح هي ذاتها سراّ. إنّ السنة الّتي تتجلّى أمامنا هي، دون شكّ، حاملة لسرّ ما. والأمر متروك لنا أن نحفظه كما فعلت مريم مع ابنها، منتظرين أن يكشف كل حدث ويُحقّق لنا سر الحياة والخلاص الّذي يحمله.








All the contents on this site are copyrighted ©.