2017-03-04 14:02:00

الإنجيل وقفة تأمّل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: سارَ الرُّوحُ بِيَسوعَ إِلى البَرِّيَّةِ لِيُجَرِّبَه إِبليس. فصامَ أَربَعينَ يومًا وأَربَعينَ لَيلةً حتَّى جاع. فدَنا مِنه المُجَرِّبُ وقالَ له: "إِن كُنتَ ابنَ الله، فمُرْ أَن تَصيرَ هذِه الحِجارةُ أَرغِفة". فأَجابَه: "مكتوبٌ: ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيْا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله". فمَضى بِه إِبليسُ إِلى المدينَةِ المُقدَّسة وأَقامَه على شُرفَةِ الهَيكل، وقالَ لَه: "إِن كُنتَ ابنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إِلى الأَسفَل، فَإِنَّه مَكتوب: «يُوصي مَلائكتَه بِكَ فيَحمِلونَكَ على أَيديهم لِئَلاَّ تَصدِمَ رِجلَكَ بِحَجرٍ". فقالَ له يسوع: "مَكتوبٌ أَيضًا: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ". ثُمَّ مَضى بِه إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عالٍ جدًّا وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدُّنيا ومَجدَها، وقالَ له: "أُعطيكَ هذا كُلَّه إِن جَثوتَ لي سـاجدًا". فقالَ له يسوع: "اِذهَبْ، يا شَيطان! لأَنَّه مَكتوب: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد وايَّاهُ وَحدَه تَعبُد". ثُمَّ تَركَه إِبليس، وإِذا بِمَلائكةٍ قد دنَوا منهُ وأَخذوا يَخدُمونَه.

للتأمّل

في كل عام يقدم لنا إنجيل الأحد الأول من الصوم إنجيل تجارب يسوع، عندما حل عليه الروح القدس بعد المعمودية في نهر الأردن ودفعه إلى البريّة ليجربّه إبليس، لمدة أربعين يومًا، قبل بدء رسالته العلنية. لقد حاول المجرب أن يبعد يسوع عن مشروع الآب، أي عن طريق التضحية، درب الحب الذي يقدم ذاته كفارة عن البشر، مقدمًا له طريق سهلاً، درب النجاح والسلطة. تمّت المواجهة بين يسوع والشيطان من خلال تبادل أقوال من الكتاب المقدس. في الواقع، حاول الشيطان أن يبعد يسوع عن درب الصليب مظهرًا له الرفاهية الاقتصادية من خلال إمكانية تحويل الحجارة إلى أرغفة خبز، والأسلوب الاستعراضي العجائبي من خلال فكرة أن يلقي بنفسه من على شرفة الهيكل لتنقذه الملائكة، وأخيرًا من خلال الطريق المختصر للسلطة والتسلُّط مقابل فعل سجود وعبادة للشيطان.

لقد رفض يسوع قطعيًّا هذه التجارب وأظهر إرادة صلبة في إتباع الدرب التي حددها الآب دون أي تسوية أو مساومة مع الخطيئة ومنطق هذا العالم. وفي أجوبته يذكرنا يسوع أنه "ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله" (متى 4، 4؛ تث 8، 3) وهذا الأمر يعطينا القوة ويعضدنا في جهادنا ضد ذهنية العالم التي تضع الإنسان على مستوى الحاجات الأوليّة وتفقده الجوع لما هو حقيقي وصالح أي الجوع لله ومحبته. يذكرنا يسوع أيضًا أنه كتب: "لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ"، لأن درب الإيمان تمر أيضًا عبر الظلام والشك وتتغذى بالصبر والانتظار المثابر، ويذكرنا أخيرًا أنه كتب: "لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد وإياه وَحدَه تَعبُد"، أي أنه علينا أن نتخلص من الأصنام والأشياء غير الضرورية لنبني حياتنا على الجوهري. إن كلمات يسوع هذه تجد تأكيدها وتتجسّد من خلال أعماله. وأمانته الكاملة لمشروع حب الله ستقوده بعد ثلاث سنوات تقريبًا إلى تصفية حساب نهائي مع "أمير هذا العالم" (يو 16، 11)، إلى ساعة الآلام والصليب، حيث سيحقق يسوع انتصاره النهائي: انتصار الحب!

نقرأ في إنجيل القديس متى الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم: "ثُمَّ تَركَه إِبليس، وإِذا بِمَلائكةٍ قد دنَوا منهُ وأَخذوا يَخدُمونَه"، فبعد أن أغلق كبرياء آدم أبواب الجنة ها هو انحناء المسيح وتواضعه يعيدان فتحها للجنس البشري بأسره. بالطاعة لكلمة الله وشريعته تُفتح أمامنا جميع الأبواب، فالله يحب الودعاء والمتواضعين ويسمع تضرّعهم ويخلّصهم كما نقرأ في المزمور: "إنما الذبيحة لله روح منكسر، القلب المنكسر المُنسحق لا تزدريه يا الله" (مز 51، 17). لذا فالطاعة لكلمة الله وشريعته لا تجرحان كرامتنا، بل على العكس لأننا عندما ننفتح على هذه العلاقة مع الله تنفتح أمامنا آفاق الحياة. يدعونا إنجيل هذا الأحد لنقترب من كلمة الله ونقبلها ونصغي لها بفرح لتدخل إلى حياتنا وتغذّينا لأن بها خلاصنا، لأن الشرير لا يمكنه أن يصمد أمام الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها. وهذه الكلمة هي المسيح ربّنا، لتكن إذًا كلمة الله غذاءنا في زمن الصوم هذا، ولنسمح له بأن يعلّمنا أنّه علينا ألاّ نمضي صيامنا مهتمّين بهذا العالم، وإنّما بالإصغاء لكلمته لأن مَن يتغذّى من الكتاب المقدّس ينسى جوع الجسد؛ مَن يتغذّى من الكلمة السماوي، ينسى الجوع. هذا هو الغذاء الحقيقي الذي يغذّي النفس ويُشبع الجائع...هو يعطي الحياة الأبديّة ويُبعِدُ عنّا فِخاخ تجارب الشيطان. فكلمة الله حياة، كما شهد الربّ يسوع لنا إذ قال: "الكَلامُ الَّذي كلَّمتُكُم به رُوحٌ وحَياة" (يوحنا 6، 63). أيها الإخوة الأعزاء، يشكل زمن الصوم فرصة مناسبة لنا جميعًا لنقوم بمسيرة توبة في ضوء نص الإنجيل هذا. لنجدد وعود معموديتنا ولنكفر بالشيطان وبجميع أعماله وإغراءاته ولنسر على دروب الله لنصل إلى الفصح بفرح الروح! 








All the contents on this site are copyrighted ©.