2017-03-25 16:14:00

البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي في منتزه مونزا في ميلانو


بمناسبة عيد بشارة العذراء مريم ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر السبت القداس الإلهي في منتزه مونزا في ميلانو بحضور عدد كبير من الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها لقد سمعنا منذ قليل البشارة الأهمّ في تاريخنا: بشارة مريم. نصٌّ عميق مفعم بالحياة ويطيب لي قراءته في ضوء بشارة أخرى: البشارة بمولد يوحنا المعمدان. بشارتان تتبع الواحدة الأخرى ومتّحدتان، بشارتان تظهران، إذا تمّت مقارنتهما، ما يمنحنا الله إياه من خلال ابنه.

تابع البابا فرنسيس يقول إن البشارة بيوحنا المعمدان قد تمّت عندما كان زكريا الكاهن يستعدّ للدخول إلى مقدس الهيكل فيما كانت جماعة الشعب تنتظر خارجًا. أما البشارة بيسوع فقد تمّت في مدينة نائيّة في ضواحي الجليل ذات سمعة سيّئة، في بيت شابة تُدعى مريم. تناقض لا يمكن الاستخفاف به لكنّه يشير إلى أن هيكل الله الجديد، والمكان الجديد للقاء الله بشعبه سيكون في أماكن غير متوقَّعة وفي الضواحي. هناك سيكون الموعد وهناك سيلتقيان، هناك سيتجسّد الله ليسير معنا. وبالتالي لن يتمَّ في مكان محفوظ لقليلين فيما تبقى الأكثريّة تنتظر خارجًا. لن يبقى أحدًا أو شيئًا غير مبال ولن يبقى ظرفًا محرومًا من حضوره لأنّ فرح الخلاص قد بدأ في الحياة اليوميّة في بيت شابة من الناصرة.

أضاف الأب الأقدس يقول الله هو الذي يبادر، كما فعل مع مريم، ويختار أن يدخل إلى بيوتنا وجهادنا اليومي المليء بالمخاوف والرغبات. ولذلك يتحقق داخل مدننا ومدارسنا وجامعاتنا، في الساحات والمستشفيات الإعلان الأجمل الذي يمكننا سماعه: " إفَرح، الرَّبُّ مَعَك!". إنه فرح يولّد الحياة ويخلق الرجاء، فرح يتجسّد في طريقة تطلّعنا إلى المستقبل والموقف الذي ننظر به إلى الآخرين. فرح يصبح تضامنًا واستقبالاً ورحمة تجاه الجميع. على مثال مريم يمكن أن يداخلنا نحن أيضًا اضطراب شديد. "كَيفَ يَكونُ هذا" في زمن مليء بالتنظير؟ تنظير حول الحياة والعمل والعائلة. تنظير حول الفقراء والمهاجرين. تنظير حول الشباب ومستقبلهم. ويبدو أن كل شيء قد تحوّل إلى مجرِّد أرقام تاركًا الحياة اليوميّة للعديد من العائلات فريسة للفقر وغياب الأمان. فيما يقرع الألم على أبواب عديدة وينمو في الشباب عدم الرضا بسبب غياب الفرص الحقيقيّة وازدياد التنظير في كل مكان.

تابع الحبر الأعظم يقول يبدو أن وتيرة الحياة المحمومة التي نعيشها تسلبنا الرجاء والفرح. ويبدو أن الضغوطات والعجز أمام العديد من الأوضاع يجففان النفس ويجعلاننا غير مبالين أمام التحديات الكثيرة. وبشكل تناقضي عندما يتسارع كلّ شيء لبناء مجتمع أفضل – نظريًّا –، نجد في النهاية أننا لا نملك الوقت لشيء أو لأحد. نفقد الوقت المخصص للعائلة والوقت المخصص للجماعة، نفقد الوقت المخصص للصداقة والتضامن والذكرى.

أضاف الأب الأقدس يقول سيساعدنا جدًّا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا أن نعيش فرح الإنجيل اليوم في مدننا؟ هل الرجاء المسيحي ممكن في هذه الظروف، هنا والآن؟ هذان السؤالان يلمسان هويتنا وحياة عائلاتنا وبلادنا ومدننا. يلمسان حياة أبنائنا وشبابنا ويطلبان منا أسلوبًا جديدًا لنضع أنفسنا في التاريخ. إن كان لا يزال ممكنًا عيش الفرح والرجاء المسيحي فنحن لا يمكننا لا بل لا نريد أن نبقى، إزاء العديد من الأوضاع الأليمة، مجرّد مشاهدين ينظرون إلى السماء في انتظار توقّف المطر. إن كلّ ما يحصل يتطلّب منا أن ننظر إلى الحاضر بشجاعة، بشجاعة من يعرف أن فرح الخلاص يتجسّد في الحياة اليوميّة لبيت شابة من الناصرة.

تابع البابا فرنسيس يقول أمام اضطراب مريم وأمام اضطراباتنا يقدّم لنا الملاك ثلاثة نقاط ليساعدنا على قبول الرسالة التي توكَل إلينا. يثير الملاك أولاً الذاكرة ويفتح هكذا حاضر مريم على تاريخ الخلاص بأسره. يثير الوعد الذي قطعه الله لداود كثمرة للعهد مع يعقوب. مريم هي ابنة العهد. ونحن مدعوون اليوم أيضًا لنتذكّر وننظر إلى ماضينا كي لا ننسى من أين جئنا؛ ولكي لا ننسى أسلافنا وأجدادنا وكل ما عاشوه لنصل إلى حيث نحن اليوم. هذه الأرض وأهلها قد عرفوا ألم الحربين العالميّتين، وقد رأوا سمعتهم بالاجتهاد والحضارة تتلطّخ أحيانًا بطموحات مُنحلّة. إن الذكرى تساعدنا كي لا نبقى سجناء للخطابات التي تزرع الانقسامات كأسلوب وحيد لحلّ النزاعات. إن إثارة الذاكرة هي الترياق الأفضل الذي نملكه إزاء الحلول السحرية للإنقسام والنفور.

أضاف الأب الأقدس يقول لقد سمحت الذاكرة لمريم أن تشعر بانتمائها لشعب الله. سيساعدنا أن نتذكّر أننا أعضاء في شعب الله! نحن سكان ميلانو نعم ولكننا جزء من شعب الله الكبير. شعب مكوّن من آلاف الوجوه والقصص، شعب متعدّد الثقافات والإثنيات. وهذه هي إحدى مصادر غنانا. إنه شعب مدعو لقبول الاختلافات وإدماجها باحترام وإبداع والاحتفال بالحداثة التي تأتينا من الآخرين. إنّه شعب لا يخاف من معانقة الحدود ولا يخاف من استقبال المعوز لأنه يعرف أن ربّه حاضر من خلاله.

تابع الأب الأقدس يقول "ما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله" هكذا ينتهي جواب الملاك لمريم. عندما نعتقد أن كلّ شيء متوقّف علينا نبقى سجناء لقدراتنا وقوانا وآفاقنا الحسيرة. ولكن عندما نسمح بأن تتمّ مساعدتنا ونُصحَنا وعندما ننفتح على النعمة يبدو أن المستحيل قد تحوّل إلى حقيقة. وهذا الأمر تعرفه جيدًا هذه الأرض التي، وعبر التاريخ، قد أعطت العديد من المسيحيين والمرسلين والكثير من الغنى لحياة الكنيسة. وجوه عديدة قد انفتحت على مبادرات الله وأصبحت علامة لمدى خصوبة الأرض التي لا تنغلق في أفكارها ومحدودياتها وقدراتها بل تنفتح على الآخرين.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إن الله لا زال، كما في الماضي، يبحث عن حلفاء وعن رجال ونساء قادرين على الإيمان والتذكّر والشعور بأنّهم جزء من شعبه كي يعاونوه في إبداع الروح. إن الله لا زال يسير في أحيائنا وعلى دروبنا ويندفع إلى كل مكان بحثًا عن قلوب قادرة على الإصغاء لدعوته وتجسيدها هنا والآن. إن الله لا زال يبحث عن قلوب مُستعدّة، كقلب مريم، للإيمان حتى في الأوضاع الغريبة والاستثنائيّة. لينمِّ الرب فينا هذا الإيمان وهذا الرجاء.        








All the contents on this site are copyrighted ©.