2017-04-16 08:01:00

البابا فرنسيس يحتفل بقداس العشية الفُصحيَّة في بازيليك القديس بطرس


ترأس قداسة البابا فرنسيس مساء أمس السبت قداس العشيَّة الفُصحيَّة في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان بحضور حشود غفيرة من الكرادلة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين؛ وقد تخللت القداس الاحتفالي عظة للحبر الأعظم قال فيها: "ولمَّا انقَضى السَّبتُ وطَلَعَ فَجرُ يَومِ الأَحد، جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى تَنظُرانِ القَبْر". يمكننا أن نتخيّل تلك الخطوات... الخطوات النموذجيّة لمن يذهب إلى القبر، خطى تعبة بسبب الارتباك، وخطى خائرة لمن لم يقتنع أن كلَّ شيء قد انتهى بذاك الشكل... يمكننا أن نتخيل الوجوه الشاحبة والتي تغسلها الدموع... ويبقى السؤال: أمن الممكن أن يكون الحبَّ قد مات؟

تابع الأب الأقدس يقول على عكس الرسل هما هناك – كما رافقتا نفس المعلّم الأخير على الصليب وبعدها يوسف الرامي ليدفنه –؛ إمرأتان قادرتان على المقاومة وعلى مواجهة الحياة كما هي واحتمال طعم الظلم المُرّ. ها هما أمام القبر، بين الألم وعدم القدرة على الاستسلام وعلى قبول أن كلَّ شيء ينبغي أن ينتهي على هذا الشكل. وإن اجتهدنا في تخيُّلنا، يمكننا أن نجد في وجه هاتين المرأتين وجوه العديد من الأمهات والجدّات ووجوه الأطفال والشباب الذين يحتملون ثقل وألم الظلم اللا إنساني. نرى في وجهيهما انعكاس وجوه جميع الذين، وإذ يسيرون في المدينة، يشعرون بألم البؤس والاستغلال والإتجار بالبشر. نرى فيهما أيضًا وجوه الذين يختبرون الازدراء لأنّهم مهاجرون وأيتام لا وطن لهم ولا بيت ولا عائلة؛ ووجوه الذين يكشف نظرهم الوحدة والترك لأنّهم قد كبروا في السن. هما تعكسان وجه النساء والأمهات اللاتي يبكينَ لرؤية حياة أبنائهنَّ تُطمَر تحت ثقل الفساد الذي يسلب الحقوق ويحطِّم العديد من الانتظارات، وتحت الأنانيّة اليوميّة التي تصلب وتدفن رجاء الكثيرين، وتحت البيروقراطيّة العقيمة والتي تشلّ ولا تسمح أن تتغيّر الأمور. وفي ألمهما، تحملان وجه جميع الذين، وإذ يسيرون في المدينة، يرون كرامتهم تُصلب.

أضاف الحبر الأعظم يقول في وجه هاتين المرأتين نجد وجوه الكثيرين، ربما نجد وجهك ووجهي أيضًا. وعلى مثالهما يمكننا أن نشعر بأننا مدفوعون للسير وعدم الاستسلام لواقع أنّه ينبغي على الأمور أن تنتهي على هذا الشكل. صحيح أننا نحمل في داخلنا وعدًا واليقين بأمانة الله. وإنما تتحدّث وجوهنا أيضًا عن جراح وخيانات كثيرة – خياناتنا وخيانات الآخرين – وتتحدّث عن محاولات وحروب فاشلة. إن قلبنا يعرف أنّه يمكن للأمور أن تكون مختلفة، ولكن وبدون أن نتنبّه، يمكننا أن نعتاد على التعايش مع القبر ومع الإحباط. لا بل، يمكننا أن نصل إلى الاقتناع بأنَّ سنّة الحياة هذه تُخدِّرنا بواسطة التهرُّب من الواقع الذي يُطفئ الرجاء الذي وضعه الله بين أيدينا. هكذا هي خطواتنا، ولمرات عديدة، هكذا هي مسيرتنا كمسيرة هاتين المرأتين، مسيرة بين الرغبة بالله والاستسلام الحزين. إذ لا يموت المعلّم وحسب بل يموت رجاؤنا معه.

تابع البابا فرنسيس يقول "فإِذا زِلزالٌ شديدٌ قد حَدَثَ". فجأة تعرّضت هاتان المرأتان لصدمة إذ أنَّ شيئًا ما وشخصًا ما جعلا الأرض تهتزُّ تحت رجليهما. وجاء، مرّة أخرى، شخص للقائهما وقال لهما: "لا تخافا أَنتُما"، ولكنّه يضيف هذه المرّة: "لقَد قامَ كما قال". وهذا هو الإعلان الذي تقدّمه لنا هذه الليلة المقدّسة من جيل إلى جيل: لا نخافنَّ أيها الإخوة، لقد قام كما قال! وتلك الحياة عينها التي دُمِّرت وتلاشت على الصليب قد استيقظت من جديد وعادت تنبض مجدّدًا. إنَّ نبض القائم من الموت يُمنح لنا كعطيّة وهديّة، لا بل كأفق. نبض القائم من الموت هو ما أُعطي لنا وما يُطلب منا أن نُعطيه بدورنا كقوّة مُحوِّلة وكخميرة بشريّة جديدة. بقيامته لم يدحرج المسيح حجر القبر وحسب ولكنّه يريد أيضًا أن ينسُف الحواجز التي تُغلقنا في تشاؤمنا العقيم وفي حساباتنا التي تُبعدنا عن الحياة، وفي سعينا المهووس عن الضمانات وفي الطموحات اللامتناهية والقادرة على اللعب بكرامة الآخرين.

أضاف الأب الأقدس يقول عندما اعتقد عظيم الكهنة والشيوخ، بالتواطئ مع الرومان، أنّه بإمكانهم أن يحسبوا كلّ شيء، وعندما اعتقدوا أن الكلمة الأخيرة قد قيلت وبإمكانهم تحديدها، يظهر الله ليقلب جميع المعايير ويقدّم إمكانيّة جديدة. مرّة أخرى يأتي الله للقائنا ليحدّد ويثبِّت زمنًا جديدًا، زمن الرحمة. هذا هو الوعد المحفوظ منذ الأزل، هذه هي مفاجأة الله لشعبه الأمين: إفرح لأن حياتك تُخبّئ بذرة قيامة، وتقدمة حياة تنتظر أن يتمَّ إيقاظها. وهذا ما تدعونا هذه الليلة لنعلنه: نبض القائم من الموت، المسيح حي! وهذا ما غيَّر خطى مريم المجدليّة ومريم الأخرى: هذا ما جعلهما تسرعان في الذهاب لإبلاغ الخبر؛ هذا ما جعلهما تعودان أدراجهما وترجعان إلى المدينة للقاء الآخرين.

تابع الحبر الأعظم يقول على مثالهما دخلنا القبر نحن أيضًا، كذلك معهما أدعوكم للإنطلاق والعودة إلى المدينة، لتعودوا أدراجكم. لنذهب معهما لإعلان البشرى... في جميع الأماكن حيث يبدو أن الكلمة الأخيرة كانت للقبر وحيث يبدو أن الموت كان الحلّ الوحيد. لننطلق فنُعلن ونتقاسم ونكشف أن الأمر صحيح: إن الرب حيّ! هو حيٌّ ويريد أن يقوم أيضًا في العديد من الوجوه التي دفنت الرجاء والأحلام والكرامة. وإن لم نكن قادرين على أن نسمح للروح القدس أن يقودنا على هذه الدرب فلسنا بمسيحيين إذًا.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لننطلق ولنسمح لهذا الفجر المختلف بأن يُدهشنا، ولنسمح بأن تدهشنا أيضًا الحداثة التي يمكن للمسيح وحده أن يعطيها. لنسمح لحنانه ومحبّته أن يُحرِّكا خطانا ولنسمح لنبض قلبه أن يحوِّل نبضنا الضعيف.        








All the contents on this site are copyrighted ©.