2017-12-04 12:51:00

رسالة البابا بمناسبة اليوم العالمي للصلاة من أجل الدعوات 2018: "إصغاء وتمييز وعيش دعوة الرب"


بمناسبة اليوم العالمي الخامس والخمسين للصلاة من أجل الدعوات والذي سيُحتفل به في الثاني والعشرين من نيسان أبريل لعام 2018 وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة حملت عنوان "إصغاء وتمييز وعيش دعوة الرب".

كتب الأب الأقدس تُُعقد في شهر تشرين الأوّل المقبل الجمعيّة العامّة العاديّة الخامسة عشرة لسينودس الأساقفة، التي ستُخصَّص للشباب، ولاسيما حول العلاقة بين الشباب والإيمان والدعوة. وسنتمكّن، في تلك المناسبة، من التعمّق حول كيف أن الدعوة إلى الفرح التي يوجّهها الله إلينا، هي في محور حياتنا، وكيف أن هذا هو "تدبير الله لرجال ونساء كلّ زمن". تابع البابا فرنسيس يقول إنها بشارة سارّة تُعلَنُ لنا بقوّة من خلال اليوم العالمي الخامس والخمسين للصلاة من أجل الدعوات: حياتنا ليست عشوائيّة، ولا تجرّنا سلسلة من الأحداث الفوضويّة، بل على العكس، حياتنا وحضورنا في العالم هما ثمرة دعوة إلهيّة! يذكّرنا سرّ التجسّد، حتى في أيّامنا القلقة هذه، أن الله يأتي دومًا للقائنا وأنّه الله – معنا، الذي يمرّ عبر دروب حياتنا المغبّرة أحيانًا، وإذ يرى توقنا الشديد إلى الحبّ والسعادة، يدعونا إلى الفرح. وفي تنوّع كلّ دعوة وميزتها، أكانت شخصيّة أو كنسيّة، يتعلَّق الأمر بالإصغاء، والتمييز وعيش هذه الكلمة التي تدعونا من العُلى، وفيما تسمح لنا باستثمار مواهبنا تجعل منّا أيضًا أدوات خلاص للعالم، وتوجّهنا إلى ملء السعادة. أضاف الحبر الأعظم يقول هذه الجوانب الثلاثة – إصغاء، تمييز وعيش – قد شكّلت أيضًا إطارًا لبدء رسالة يسوع، الذي، وبعد أيام من الصلاة والصراع في البرّية، زار المجمع في الناصرة، حيث أصغى إلى الكلمة، وميّز مضمونَ الرسالة التي أوكلها الآب إليه وأعلن أنه قد جاء ليحققها "اليوم".   

الإصغاء

أضاف الأب الأقدس يقول إنَّ دعوة الربّ – ونوضح الأمر على الفور – لا تملك علامات واضحة على غرار الأمور الكثيرة التي يمكن أن نسمعها أو نراها أو نلمسها في خبرتنا اليوميّة. فالربّ يأتي بشكلٍ صامت ورقيق، دون أن يفرض ذاته على حرّيتنا. وبالتالي قد يبقى صوته مخنوقًا بسبب العديد من الاهتمامات والمتطلّبات التي تشغل عقلنا وقلبنا. لذلك علينا أن نستعدّ لإصغاءٍ عميق لكلمته وللحياة، ونتنبّه أيضًا لتفاصيل حياتنا اليوميّة، ونتعلّم قراءة الأحداث بأعيُن الإيمان، ونبقى منفتحين على مفاجآت الروح القدس. لا يمكننا اكتشاف الدعوة الخاصّة والشخصيّة التي أرادها الله لنا، إن بقينا منغلقين على أنفسنا وفي عاداتنا وفي برودة من يهدر حياته في دائرة الذات المحدودة والضيّقة، فنفقد فرصة أن يكون لنا تطلّعات كبيرة وأن نصبح روّاد القصّة الفريدة والمميّزة التي يريد الله أن يكتبها معنا.

تابع الحبر الأعظم يقول إنَّ يسوع أيضًا قد دُعي وأُرسِل؛ ولذلك احتاج أن ينفرد في الصمت، لقد أصغى إلى الكلمة وقرأها في المجمع، وبنور الروح القدس وقوّته، كشف بالكامل معناها المرتبط بشخصه وبتاريخ شعب إسرائيل. هذا الموقف يصبح اليوم أكثر صعوبة، إذ ننغمس في مجتمع صاخب، وفي جنون وفرة الدوافع والمعلومات التي تملأ أيامنا. إنَّ الضجيج الخارجيّ، الذي يسيطر أحيانًا على مدننا وشوارعنا، غالبًا ما يرافقه تشتّت داخليّ وارتباك لا يسمح لنا بالتوقّف وتذوّق التأمّل، والتفكير بهدوء حول أحداث حياتنا والقيام بتمييز خصب واثقين بتدبير الله المُحِبِّ لنا. ولكن، كما نعلم، يأتي ملكوت الله بدون ضجيج وبدون أن يلفت الانتباه، ويمكننا أن نرى بذوره فقط إن عرفنا، على غرار النبي إيليّا، أن ندخل في أعماق أرواحنا ونسمح لها أن تنفتح على نَفَس النسيم الإلهي غير المُدرك.

التمييز

أضاف البابا فرنسيس يقول عند قراءته لمقطع النبي أشعيا في مجمع الناصرة، ميّز يسوع مضمونَ الرسالة التي أُرسِل من أجلها وقدّمه إلى الذين كانوا ينتظرون المسيح: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأنَّهُ مَسَحَني لأبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ". وبالطريقة عينها، يمكن لكلٍّ منّا أن يكتشف دعوته الشخصيّة فقط من خلال التمييز الروحي، وهو "عملية يستطيع من خلالها كلُّ شخص، بالحوار مع الربّ والإصغاء إلى صوت الروح القدس، أن يقوم بالخيارات الأساسيّة انطلاقًا من تلك المتعلّقة بحالته".

تابع الأب الأقدس يقول نكتشف بشكل خاص، أن الدعوة المسيحيّة تملك على الدوام بُعدًا نبويًّا، كما يؤكِّد الكتاب المقدّس فالأنبياء قد أُرسِلوا إلى الشعب وهو في حالة فقرٍ شديد وأزمة روحيّة وأخلاقيّة، كي يوجّهوا له باسم الله كلمةَ ارتداد ورجاء وتعزية. ومثل الريح التي ترفع الغبار، هكذا يزعجُ النبيّ صفاءَ الضمير الكاذب الذي نسيَ كلمة الربّ، ويميّز الأحداث في ضوء وعد الله ويساعد الشعب على رؤية بوادر الفجر في ظلمات التاريخ. واليوم أيضًا نحن بحاجة ماسّة للتمييز والنبؤة؛ ولتخطّي تجارب الإيديولوجيّة والقدريّة ولاكتشاف الأماكن والأدوات والأوضاع التي من خلالها يدعونا الربّ. على كلّ مسيحيّ أن يُنمّي قدرته على "القراءة داخل" الحياة ويفهم إلى أين وإلى ماذا يدعوه الربّ ليكون مكمِّلاً لرسالته.  

العيش

في الختام، تابع البابا فرنسيس يقول، يعلن يسوع حداثة الوقت الحاضر، التي ستولِّد الحماس في كثيرين والقساوة في آخرين: إنَّ الزمن قد تمّ، وهو المسيح الذي أعلنه أشعيا، وقد مُسِح ليحرِّر الأسرى، ويعيد البصر للعميان ويعلن محبّة الله الرحيمة لكلّ خليقة. وبالتالي يؤكِّد يسوع "اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم". لا يمكن لفرح الإنجيل، الذي يفتحنا على اللقاء بالله والإخوة، أن ينتظر بطئنا وكسلنا؛ ولن يؤثّر بنا إن بقينا خلف النافذة بحجّة انتظار الوقت المناسب؛ ولن يتحقّق لنا إن لم نتحمّل اليوم مسؤوليّة المخاطرة باتخاذ خيار ما. الدعوة هي اليوم! والرسالة المسيحيّة هي للوقت الحاضر! وكلّ منّا مدعوّ – للحياة العلمانيّة في الزواج، أو للحياة الكهنوتيّة في سرِّ الكهنوت، أو للحياة المكرّسة – ليصبح شاهدًا للربّ، هنا والآن. 

أضاف الأب الأقدس يقول في الواقع، يؤكِّد لنا هذا "اليوم" الذي أعلنه يسوع، أن الله يستمرّ "بالنزول" كي يخلِّص بشريّتنا هذه ويُشركنا في رسالته. فالربّ لا يزال يدعونا للعيش معه وإتباعه في علاقة قرب مميّزة، في خدمته المباشرة. وإن أفهمنا أنه يدعونا لنُكرِّس أنفسنا بالكامل لملكوته، لا يجب أن نخاف!  ما أجمل – وهي لنعمة عظيمة – أن نكون مكرّسين بالكامل وللأبد لله ولخدمة الإخوة. إنَّ الربّ لا يزال اليوم يدعونا لإتباعه. فلا يجب أن ننتظر حتى نصبح كاملين كي نجيب بالـ "هأنذا" السخيّ، ولا أن نخاف من محدوديّتنا وخطايانا، بل يجب أن نقبل صوت الربّ بقلبٍ مفتوح، وأن نصغي إليه ونميّز رسالتنا الشخصيّة في الكنيسة والعالم، وأن نحياها في الحاضر الذي يعطينا الله إياه.

وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي الخامس والخمسين للصلاة من أجل الدعوات بالقول لتحفظنا مريم الكليّة القداسة، ابنة الضواحي الشابة، التي أصغت وقبِلت وعاشت كلمة الله المتجسّدة، ولترافقنا دومًا في مسيرتنا.  








All the contents on this site are copyrighted ©.