2018-02-13 14:13:00

رسالة البطريرك يونان لمناسبة زمن الصوم "أبصِر، إيمانك خلّصك"


تحت عنوان "أَبصِر، إيمانك خلّصك"(مرقس 10: 52)، وجه بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان رسالته لمناسبة زمن الصوم 2018 وقد استهلها قائلا: " تقدّم لنا الكنيسة للتأمّل في زمن الصوم أعجوبة شفاء طيما برطيما أعمى أريحا (مرقس 10: 46-52). لقاءٌ مؤثّرٌ ومعبّرٌ بين إنسان مُعدَم ويسوع الحنون الذي برحمته يتعدّى قوانين البشر التي تعتاد أن تهمّش ذوي العاهات ولا تبالي بوجعهم الصارخ. هذه الأعجوبة تذكيرٌ لنا بأنّ زمن الصوم الفصحي هو أولاً مسيرة نحو النور الإلهي الذي يضيء لنا البصر والبصيرة، وهو مشروعٌ خلاصي فيه تتجدّد علاقتنا مع الرب بالتوبة التي تدعونا إلى التسامح مع القريب والبعيد، والتي تتنقّى بالإماتة والتقشّف، وتفتح عيوننا نحو حاجات الجياع والمتألّمين والضعفاء. الصوم هو زمن التجدّد والتحوّل الداخلي وتفعيل المحبّة التي يزرعها الله في قلب المؤمن. ويشمل هذا التجدّد والتحوّل علاقةً متلازمةً ومتكاملةً مع الله ومع القريب. يدعونا الصوم كي نجدّد علاقتنا مع الله الآب السماوي ينبوع المراحم، فنعود إليه بالتوبة الحقيقية، ونتحرّر من عبودية الجسد والأهواء البشرية. كما أننا نسعى لعيش حياة التلمذة للمعلّم الإلهي، من خلال الإصغاء إلى كلامه الحيّ، عبر مواعظ الصوم والرياضات الروحية، والحوار معه لاكتشاف إرادته والتجاوب مع تصميم حبّه الخلاصي "كلامك مصباحٌ لخطاي ونورٌ لسبيلي" (مز 119: 105). أمّا العلاقة مع القريب، فهي تتجدّد وتتحوّل بتجسيد المحبّة الفاعلة على تنوّعها: مساعدة المحتاج، مصالحة المخاصم والمسيء، زيارة المريض، تعزية الحزين، صلاة من أجل الخاطئ. وكم يحتاج قريبنا اليوم إلى أعمال الرحمة، ونحن نرى ما يصيب أهلنا وإخوة وأخوات لنا من كارثة الإقتلاع من منازلهم وأوطانهم ومن تشتُّتِهم في أقاصي المعمورة!"

ومما جاء في رسالة البطريرك يونان لزمن الصوم 2018 نقلا عن الموقع الإلكتروني لبطريركية السريان الكاثوليك "من خلال هذه المعجزة العظيمة، نجد أنّ البصر الحقيقي هو بصر الإيمان النابع من عقل مستنير وقلب محبّ. ما دمنا لا ننظر إلى العالم إلا بعيوننا الحسّية، مغفلين نور الإيمان، فإنّنا نبقى عمياناً. إنّ نور الإيمان يرينا عالماً آخر يفوق العالم الذي نراه بعيون الجسد، هو عالم الله، عالم الحياة الفضلى مع المسيح، وعالم ميراث الحياة الأبدية. هذا الإيمان هو الإيمان بشخص ابن الله يسوع المسيح، المرسَل من الله، الذي هو والآب واحد، وهو الإيمان بحقيقة المسيح وشخصه الإلهي الذي ينير عيون العميان، وكلّنا منهم. الإيمان كالحبّ، إذ لا قيمة لأيٍّ منهما ما لم يرتبطا بالشخص الذي نؤمن به ونحبّه"... هذا وأشار غبطته إلى أن زمن الصوم مسيرة في النور وقال "نرفع قلوبنا في زمن الصوم إلى ينبوع النور ساعين إلى النقاء بالروح والتعفّف عن المادّة وتفعيل الإيمان بأعمال المحبّة والرحمة. في مسيرتنا الصيامية تتغيّر نظرتنا إلى الأمور وترقى على ضوء الإنجيل للدخول في حوارٍ مع المعلّم الإلهي، كي نكتشف إرادته ونَكْتَنِهَ تصميم حبّه الخلاصي"... كما وأشار البطريرك يونان إلى أن زمن الصوم صعود نحو نور القيامة، وقال "في مسيرة الصوم نسعى إلى رؤية يسوع الفادي بعين الإيمان، فبها تنفتح بصائرنا ونرى الإنسان والأشياء والعالم كما يريد خالق الكون ومدبّره. بهذه الرؤية الجديدة، نلج أسبوع الآلام الخلاصية وفصح الرب، لينطبع عمل الخلاص في آلامنا، فيصبح الفصح فصحنا، به نعبر إلى قيامة القلب وإلى الحياة الجديدة. كان برطيما الأعمى مبصراً بإيمانه، قبل أن تنفتح عيناه، هذا ما أراد يسوع أن يكشفه للجمع الغفير بشفائه. ما أن سمع الأعمى أنّ يسوع الناصري مجتازٌ من أريحا، راح برطيما يصرخ صرخة الإيمان: "يا ابن داود ارحمني!" (مر 10: 48، لو 18: 39)، فيما الجمع ينتهره ليسكت. لم يكن هؤلاء "مبصرين"، إذ بالنسبة إليهم يسوع هو فقط الناصري، القائد والمعلّم الذي عليه ألا يكترث بالضعيف والمهمَّش من البشر. أمّا بالنسبة إلى الأعمى، فيسوع المسيح هو المخلّص المنتظَر، الحنون والرحوم. فما كان بالأعمى إلا أن ازداد صراخاً، لشدّة إيمانه المبصر: "يا ابن داود ارحمني!".  تؤكّد معجزة شفاء الأعمى أنّ يسوع هو نور العالم، فهو القائل عن نفسه: "أنا هو نور العالم، من يتبعني، لا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12). بدون المسيح يسود الضياع والضلال والموت: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو، تموتوا في خطاياكم" (يو 8: 24). وها هو مرقس البشير ينهي رواية شفاء أعمى أريحا: "أبصر وراح يتبع يسوع في الطريق" (مر10: 52). فكان أفضل التابعين له، لأنه سار في هدي نور حقيقته، هو "الطريق والحق والحياة" (يو14: 6)".

وفي ختام رسالته لزمن الصوم 2018 بعنوان "أَبصِر، إيمانك خلّصك"(مرقس 10: 52)، قال البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان "أيّها الرب يسوع، إنك فيض النور الإلهي الآتي إلى العالم، نور الضمائر والإرادات الصالحة. ساعدنا لنهتدي بك وبكلامك الحيّ والمحيي. فليضئ نورك ظلمة قلوبنا كما ملأ عينَي الأعمى المنطفئتين وأضاء بصيرته. أنرنا يا رب بنورك الإلهي، في رحلة الصوم المقدسة، فنكتسب رؤية جديدة، ونظرة جديدة لأمور حياتنا وللعالم، لنسير في طريق جديد، هو أنت. وكما وضع الأعمى ملء رجائه فيك فنال البصر، امنحنا نحن أيضاً أن نضع فيك رجاءنا الوحيد والأكيد، لنثبت في الحق والخير والجمال، فنحمل معنا نور إنجيلك الخلاصي سراجاً ونبراساً لنا ولمجتمعنا وللعالم".








All the contents on this site are copyrighted ©.