2018-05-17 15:00:00

مداخلة مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الفاو في المؤتمر الإقليمي لمكتب أوروبا وآسيا الوسطى


بدأت في 16 أيار مايو الجاري وتستمر حتى 18 من الشهر في فورونيج الروسية الدورة الـ 31 للمؤتمر الإقليمي في أوروبا وآسيا الوسطى لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فاو. وشارك فيها مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الفاو المونسنيور فرناندو تشيكا أريلانو بمداخلة أكد خلالها رغبة الكرسي الرسولي المساهمة في تحيق أهداف هذا المؤتمر وذلك مع التركيز بشكل خاص على البعد البشري. وشدد في هذا السياق على أن التعاون الحقيقي يجب أن يصاغ ويُعد انطلاقا من واقع الأشخاص والشعوب، وفهم جذور ما يعانون منه من ضعف، والتعامل بتصميم مع احتياجاتهم الفعلية. وذكّر المونسنيور أريلانو بكلمة البابا فرنسيس خلال زيارته منظمة الفاو في روما في 16 تشرين الأول أكتوبر 2017، حين شدد قداسته على ضرورة التوصل إلى طرق جديدة من أجل تحويل الإمكانيات المتوفرة حاليا إلى ضمانات تسمح لكل شخص بالتطلع إلى المستقبل بثقة.

ثم انتقل مراقب الكرسي الرسولي الدائم إلى الأوضاع في الإقليم، أي أوروبا وآسيا الوسطى، فذكر أن البيانات تشير إلى تضرر بعض المناطق بسبب التغيرات المناخية، حيث تضع بعض الظواهر النظام الاجتماعي والاقتصادي أمام تجربة صعبة، وتحدث أيضا عن ضعف بعض الجماعات، والذي تعكسه مستويات الإنتاج الزراعي فيها وحاجتها الواضحة إلى الغذاء والموارد. وتضاف إلى هذه المشاكل، حسب ما واصل المراقب الدائم، تبعات الوضع العالمي المتغير وسيادة مصالح لا تتماشى مع التطلعات والاحتياجات. وأمام هذه الأوضاع لا يمكن إضاعة الوقت، قال المونسنيور أريلانو، ويجب أن تتبع الكلمات والتصريحات أفعالٌ حاسمة ومؤثرة ومبادرات فعالة ومنسَّقة. ثم توقف عند قضية هامة ألا وهي شح المياه، فأكد أنه من الطبيعي أن نثق في المعارف العلمية والتقنية ولكن من الضروري أيضا دعم تطبيق بعض الأدوات مثل اتفاقية باريس، واعين بأن هذا يتطلب التزاما ملموسا لا فقط النوايا الحسنة. وتابع المراقب الدائم محذرا من عدم العناية، بل وما هو أسوأ، من تغيير التوازن الطبيعي الحساس للأنظمة البيئية مثل الزراعة وصيد الأسماك والغابات، لأن هذا قد يصبح طريقا لا عودة منها، تجعل الجهود الساعية إلى مساعدة الأشخاص المهمشين أكثر صعوبة.

ثم أكد المونسنيور أريلانو أن الكرسي الرسولي يشارك في هذا المؤتمر من أجل دعم أية جهود ملموسة لبلوغ أهداف على المدى القصير أو الطويل، وذلك لتفادي تضاعف العناصر السلبية ونفاذ قدرة الأشخاص والجماعات على التفاعل. وتحدث عن ضرورة الحفاظ على العمل في المناطق الزراعية، وأكد أنه لا يمكننا الوقوع في الخطأ الذي حذر منه الأب الأقدس خلال زيارته المنظمة في تشرين الأول أكتوبر الماضي، أي الاتكال على أن هناك دائما آخرين سيفعلون ما يجب فعله. ثم تابع معربا عن قناعة الكرسي الرسولي بضرورة الانطلاق في العمل من نظرة شاملة للتنمية تضع الشخص البشري في مركزها، بدلا من الاهتمام بتنمية بعض القطاعات، فغياب الاهتمام بهذه النظرة سيحدد من تحقيق الأهداف المرجوة.

توقف مراقب الكرسي الرسولي في مداخلته بعد ذلك عند احتياجات العالم الريفي اليوم، فتحدث عن قضيتين أساسيتين، الأولى هي حماية الأنظمة البيئية الزراعية والغابية والتي تتأثر بالتغيرات المناخية، هذا إلى جانب الفيضانات والتصحر السريع والتي تضرب شعوبا كانت آمنة حتى الآن من هذه الظواهر. القضية الثانية هي الدور المتنامي للتقنيات الزراعية الحديثة وما تتلقاه من دعم، وأضاف أن الحديث عن هذه القضية لا يعني موقفا رافضا لنتائج الأبحاث العلمية ولأنظمة إنتاج زراعي جديدة، بل هو دعوة إلى التفكير في بلوغ توازن لهذه الأنظمة والوقاية من الأخطار التي قد تهدد الأشخاص أو الأنظمة البيئية. وأكد المونسنيور أريلانو أن الأبحاث والدراسات يجب أن تكون موجَّهة لتعزيز الإنتاج الزراعي أمام الطلب المتزايد للأغذية، ولكن بدون نسيان أن أولوية إنتاج الأغذية هي، وحسب ما تشير الكلمة ذاتها، التغذية، ما يعني ضرورة التفكير في استدامة الإنتاج الزراعي وحماية البيئة، وبالتالي منح مفهوم الإيكولوجيا الزراعية معنى ملموسا وممكنا.

وفي ختام مداخلته رحب مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الفو بانتباه الاستراتيجيات المقترَحة إلى نشاط الزراعة العائلي ودور العائلة بالتالي كعنصر اقتصادي، ولكن هذا يجب ألا يدفعنا إلى تجاهل أن العائلة الزراعية، وكي تكون مشارِكة بشكل مباشر في المسيرات واتخاذ القرارات، يجب أن يُنظر إليها في واقعها الطبيعي باعتبارها حارسا للقيم وحس التضامن ومحبة أكثر الأشخاص ضعفا، إلى جانب كونها في الوقت عينه الضامن لأساليب إنتاج تتماشى مع ميزات الأراضي والأنظمة البيئية، وشدد بالتالي على أهمية الانتباه إلى العائلة ومركزيتها في المناطق الريفية. ثم أكد مجددا استعداد الكنيسة الكاثوليكية وهيئاتها المعروفة للمساهمة في الجهود من أجل أن ندرك جميعا أن الأمن الغذائي في زمن العولمة قد أصبح، وحسب ما ذكر البابا الفخري بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة"، "هدفاً علينا السعي نحوه من أجل حماية السلام والاستقرارِ على كوكبنا" (المحبة في الحيقية 27).








All the contents on this site are copyrighted ©.